في الأدب كما في القانون شكل وموضوع، وكما يرفض القاضي الطعن في حكم ما شكلا ويقبله موضوعا، فقد يرفض القاريء قصيدة ما شكلا وان قبلها موضوعا، والشكل في الأدب لا يقل في خطره عن الموضوع، فكم من قطعة أدبية أفسد أسلوبها موضوعها، وكم من قصيدة ذهب قبح نظمها بجمال معناها، وكم من قصيدة رقيقة اللفظ جميلة الأداء، في كلماتها عذوبة وفي نظمها اتساق، غير أن المعنى الجليل فارق فيها اللفظ الجميل، والخيال السامي بعد فيها عن الأداء الحسن، وهي مع ذلك خالدة على الدهر سائرة كالمثل.
وقد قرأنا للآنسة الأديبة سهير القلماوي في عدد الرسالة الماضي قصيدة نظمتها، فراعت فيها كما قالت خاصتين من خواص الشعر العربي وهما الوزن وتمام المعنى في البيت الواحد، وأهملت الخاصة الثالثة وهي القافية، فعنيت بالموضوع وأهملت الشكل، وكان الأجدر بها وقد أرادت أن تتبع سنة التجديد في الشعر العربي ألا تجيء إلى ركن من أهم الأركان الفنية فيه فتمحوه وتهمله وتقرب الشعر بذلك إلى النثر، فلست أرى الشعر المرسل إلا نثرا موزونا نخشى أن تمتد إليه يد التجديد فتنتزع منه الوزن أيضا. ولو قد أنصفت لأهملت تمام المعنى في البيت الواحد وراعت القافية فهي التي تعد بحق وباطراد من خواص الشعر العربي البارزة التي تميزه من كل شعر سواه، والتي أكسبته روعة خاصة، وأشركت الحس مع العقل فيه، وهيأت له السمع والإدراك، وجمعت للقارئ بين لذة التوقيع ولذة الفكر والفهم، وربما قيل أن التوقيع إنما جاء من الوزن لا من القافية، ولكن اصطدام القارئ بحروف متغايرة في أواخر الأبيات يشعره بفقدان الوزن في ثناياها.
أما تمام المعنى في البيت الواحد فلم يكن من خصائص الشعر العربي، وإنما كان من خصائص الشعراء العرب، فليس يدخل إذن في أصول الفن الشعري التي لابد للشعر منها كالوزن القافية، فقد كان العرب أميل إلى الإيجاز والإلمام بالمعنى في غير توسع ولا إطناب، ومن هنا كان حرصهم على إتمام المعنى في البيت الواحد كبيرا، حتى جرى الكثير من أبياتهم مجرى الأمثال لاحتوائه على المعنى الجليل في اللفظ القليل، ومن هنا جاز لنا وقد تغير العصر وبعد الزمان وتغيرت الأذواق إلا نتبع سنة القوم في ضرورة إتمام المعنى