في البيت الواحد، على أن الشعر العربي لم يخل من قصائد لا يمكننا أن نقف فيها على كل بيت لعدم تمام المعنى فيه، ولكنه خلا تماما من قصيدة لم تنته بحرف واحد.
وقد يقال أيضا أن الشعر إذا أطلق من قيده وأعفى الشعراء من التزام القافية فيه أصبح الأمر مألوفا تقبله الأذواق وتعتاده الأسماع، ولكننا إذا عدنا إلى قراءة الشعر العربي القديم وما نظمه المحدثون من شعر مقفى، وهذا كله كثير ثمين فسنشعر بالفرق بين الشعرين وسنعود إلى القافية نستحسن مراعاتها والتزامها، ولا أحسب أحدا يدعونا إلى ترك الشعر القديم وإهماله لنفسح المجال للشعر المرسل في غير حاجة ملحة ولا ضرورة ملجئة، وإذن فالتجديد في الشعر بإرساله دعوة لا تقوم على أساس من الفن يصلح لأن يطغى على القافية فيمحوها من الشعر العربي
وتشعر الآنسة ان المعنى إذا تم في البيت الواحد لم نحس بإهمال القافية، وهذا صحيح إذا كان الشعر معنى فقط لا دخل للحس فيه، ألا ترى الآنسة أن بعض أبيات قصيدتها وقد راعت فيه القافية كان ألذ للسمع من البعض الآخر الذي أهملتها فيه. هذا قولها:
قد أوهنت عظامه السنين ... وغضنت جبينه العصور
وقسوة المسعى وراء العيش ... قد أفقدته جزءه الإنساني
ألا ترى أن إهمال القافية في البيت الثاني قد جعله نابيا غريبا على السمع، فقبله الإدراك لحسن معناه، ورفضه السمع لاختلافه مع سابقه في مبناه؟ وهذا قولها:
يا سادة العبيد والأراضي ... كيف لقاء الرب يوم الدين؟
يوم مثوله أمام الله ... بعد سكون الساع والسنين
ألا ترى أن مراعاة القافية فيه قد كسبه جمالا وتهيأت له الإسماع والافهام؟ أؤكد للآنسة أن إهمال القافية لا يغني عنه تمام المعنى في البيت الواحد، وان شعور الكاتب نفسه لا يكفي دائما للحكم على آثاره الأدبية.