للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة سبينوزا]

للأستاذ زكي نجيب محمود

شرحنا في المقال السابق فلسفة سبينوزا الميتافيزيقية التي تتلخص في أن في الكون حقيقة واحدة خالدة، هي عبارة عن قانون عام شامل لا ينقص ولا يزيد. هذه الحقيقة الخالدة، أو هذا القانون الشامل، لا يمكن أن يعبر عن نفسه ويفصح عن حقيقته إلا بواسطة الأجسام المادية، فاتخذ من تلك المادة التي تملأ جوانب الكون، قوالب وأشكالا لكي يبرز عن طريقها إلى عالم الواقع المحسوس، وهذه الصور والأشكال المادية التي تتخذ وسيلة للتعبير عن ذلك القانون الخالد، لا تظل على هيئة خاصة معينة، فهي متغيرة متبدلة أبدا، بل قد تزول وتفنى، ولكن تلك الحقيقة نفسها باقية خالدة لا تفنى ولا تزول، بل لا تنقص ولا تزيد، وهي لا تفتأ تلبس هذا الثوب المادي وتخلع ذاك إلى أبد الآبدين. وذكرنا أن ذلك القانون الأعلى وهذه الطبيعة شيء واحد لا يقبل التجزئة.

ونزيد في هذا المقال أن نتناول بالشرح الموجز فلسفته الأخلاقية والسياسية إتماما للبحث:

الذكاء والأخلاق

للأخلاق فلسفة متضاربة متناقضة، فهذا الفيلسوف يدعو إلى نظام أخلاقي معين، وذاك يروج لنقيضه، وثالث يقف بين بين، يأخذ من هذا وذاك بمقدار. فهذه المسيحية تبشر بفضائل الاستكانة والتواضع، وتدعو الناس إلى العطف والرحمة والإيثار، وتعلم الناس أنهم جميعا سواسية لا يمتاز رجل على رجل، ترد الشر بالخير، وتميل في السياسة إلى الديمقراطية المطلقة من كل القيود، وهي تعتبر المحبة أساس الفضيلة. . وذانكم مكيافلي ونيتشه يدعوان الناس إلى التخلق بأخلاق الرجولة القوية الصحيحة، وينكران المساواة بين الناس، فمنهم الضعيف ومنهم القوي، وفيهم العبقري الفيلسوف وفيهم الغبي الأبله، ويحفزان الناس إلى نبذ السلم والمغامرة في معمعان العراك والقتال ليحرز النصر من هو جدير بالنصر، وليتربع على الحكم من يستحق الحكم والسلطان، والفضيلة عندهما هي القوة، ويميلان في السياسة إلى الاستبداد والأرستقراطية الوراثية، فمكيافلي يصرح في كتابه (الأمير) بكل جرأة: (أن الأمير الذي يريد حفظ كيان دولته، لابد له في كثير من الأحيان أن يخالف الذمة والمروءة والإنسانية والدين) كما يحبذ نيتشه سياسة بسمارك التي تنتصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>