للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

خير الأمور الوسط:

حكمة تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وهي محتفظة بصدقها، سعيدة بذيوعها على كل لسان وفي كل مجال، ولكن الدكتور أمير بقطر جاء أخيراً وتنكر لها ونقضها من أساسها؛ فزعم أن (شر الأمور الوسط) وأن الناس جروا في حكمتهم على غير الرأي الرشيد، وأنها حكمة وليدة الضعف والاستخذاء وفتور الهمة، وراح يحكم حكمه القاسي على هذا (الوسط) الذي وصفه الحكيم بأنه (خير الأمور) في مقاله الذي نشر في عدد سابق من مجلة الهلال الشهرية فيقول:

(إن أسهل الأشياء وأقلها خطراً وأسلمها عاقبة، الوسط، ولكنه أقلها إنتاجاً وأبخسها ثمناً، وأسرعها زوالاً، وأخفها أثراً في النفوس. وما الزجل الوسط المسالم إلا ذلك الخامل الجبان الذي يخشى النقد ويتفادى الهجوم والدفاع ويسعى إلى السهل).

من ذلك الطرف الذي نقلناه من صلب كلام الأستاذ في تجريح (الوسط) يفهم القارئ أنه حمل الكلمة على غير معناها اللغوي المقصود، وسار بها في غير وجهها، وحملها وزر المعنى العامي الذي تداولته الألسن في معنى الوسط، فظنوه القناعة من السعي والعمل والجد والدأب بما دون الكمال. ولعمري! إن طالباً ينال في درجات علومه ٦ من ١٠ وهي الدرجة المتوسطة ليس هو بخير التلاميذ. . بل إن خيرهم لهو صاحب العشر الكاملة.

وهل يجترئ مجترئ على تسمية الرضا بما دون الكمال (خير الأمور)؟!. . هذا ما لم يقل به أحد.

فللوسط إذن معنى لغوي حقيقي غير المعنى الذي تبادر إلى ذهن الدكتور.

الوسط محركة من كل شيء خيره وأعدله، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) والمقام هنا مقام التمدح بالكمال ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فهذه الأمة التي حكم الله بأنها خير الأمم هي التي جعلها أمة وسطاً.

ومما يدل أيضاً على أن الوسط غير ما فهمه الأستاذ قوله تعالى في سورة القلم (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) وأوسطهم الذي وقف منهم موقف النصح والإرشاد هو خيرهم وأعدلهم من غير شك ,

<<  <  ج:
ص:  >  >>