وبعد جهد جاء الأستاذ العماري يتمسح في الآية الكريمة (والقمر قدرناه مناول حتى عاد كالعرجون القديم) زاعما أنه نظير قوله الآخر في تشبيه البنفسج بأوائل النار. . . الخ. غافلا أو متغافلا عن قدر التشبيه وما وراءه، مدعيا إن أمره واقف عند حد الدقة والانحناء. قال - والاصفرار، ولو كان الأمر كما رجم لكان منزلة التشبيه في الآية منزلة التشبيه بالمنجل والزورق الفضي، وقلامة الظفر، مما يظهر فيه النحول والتقوس.
فالمعنى الذي تمتلئ به النفس عند رؤية القمر آخر الشهر هو الفناء بعد الامتلاء، وذلك أن القمر نزل منازل مختلفة منذ طلوعه فهو قد زاد نوره قليلا قليلا ثم استكمل ثم تناقص قليلا قليلا حتى كاد يذهب ضياؤه، مثله كمثل العرجون يكون حيا في نفسه ممدا شماريخه بالحياة ثم يدب فيه اليبس والفناء فيرجع ولا غناء فيه ولا حياة. فوجه الشبه بعد التصوير يرجع إلى قلة النفع والاضمحلال واقتراب النهاية، وإنما يهدي إلى ذلك سلامة الفطرة وحسن التذوق.
ولا أترك القول في التشبيه المحسن حتى أضع يد الأستاذ على الميزان الذي يعرف به قيم التشبيه جمالا وغثائه فقد ترك القدماء لنا ميزانا شائلا أملته طبيعتهم الأعجمية المتفلسفة، وقديما تحدى بعض الأدباء ابن الرومي ببيت المعتز في الهلال:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وقوله في الآذريون، وهو زاهر اصفر في وسطه خمل أسود:
كأن آذريونها ... والشمس فيها كاليه
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية
فمذهب القدماء (إن الغرض من التشبيه هو مضاهاة أبيض على أبيض، وأصفر على أصفر، ومستدير على مستدير، ومستطيل على مستطيل، مما يرى بالعين، ولا فضل فيه للشعور والتخيل، وقصارى ما يطلب من الشاعر في التشبيه أن يثبت لك إنه رأى شيئين في شكل واحد ومن لون واحد كأنك في حاجة إلى ذلك الإثبات الذي لا طائل تحته، فإما إنه