أكثر من بقي إلى اليوم من أصدقاء (ألفونس لاكور) لم يروه إلا في أخريات أيامه. وقد كان ألفونس منذ ثورة ١٧٤٨ إلى أن قتل في حرب القرم في العام التالي يقضي كل أيامه في مشرب (كافيه دي بروفنس) في شارع (ريوسان هورنيه) حيث لا يجالسه ولا يحادثه أحد، لأن القصص التي كان يرويها هذا السياسي القديم مما لا يستطيع تصديقه إنسان. فإذا ما جلست إليه وسمعته يبعد ويشتط عن مدى ما تتصور أنه الحقيقة. . .
انتهزت أول فرصة لتحتج بها وتترك مجلسه، لكنني قد قرأت مذكرات خاصة لبعض السياسيين، فلم أستغرب ما نقلوه ألي من أخبار هذا السياسي القديم، فذهبت إليه وسمعته يتحدث عن مدة وجوده في مصر تحت قيادة كليبر، وكان مما قاله:
(لقد تركت مصر على أثر قتل هذا القائد. ولست اكتم عنك أني كنت أوثر البقاء فيها، وكنت أريد اعتناق الإسلام؛ وكان أول ما لفتني إليه وحببني فيه إباحته تعدد الزوجات، ولولا تحريمه الخمر ومجادلتي مع المفتي في شأنها مجادلة أقنعته بأنني لن اترك شربها لو أسلمت لأعلن المفتي إسلامي من زمن بعيد. فلما توفي الجنرال (كليبر) وجعلوا المسيو (منو) رئيساً لي، عولت على الاستقالة والإقامة في لندن حيث لا اشتغل بشيء غير ترجمة ما وقع عليه اختياري من الكتب الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن. وكان المسيو أوتو سفير فرنسا في لندن يمهد للصلح بين إنكلترا وفرنسا بعد حرب استمرت عشرة اعوام، ولست احب التحدث عن كفايتي، ولكني أؤكد لك أن هذا السفير استعان بي، فأديت له خدمات جليلة: ذهبت معه إلى لندن مستقيلاً من الجيش، فكانت اسعد أيامي تلك التي قضيتها في لندن أترجم كتب الإسلام وأسعى في توطيد السلم بين الدولتين.
ولقد كادت تقضي على السفير وعلى أعوانه كثرة أعمالهم، لان الرجل الذي كنا نفاوضه من اصلب الرجال وهو وليم بت، وليس من السهل على ست دول مجتمعة أن تعامل رجلاً