للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الحالمون]

ترجمة السيدة الفاضلة (الزهرة)

الحالمون هم الذين أقطعونا في الدنيا جوانب العيش الخصب العريض، والخير الجم المستفيض، وأرشدونا إلى مبادرة السوانح، وفتحوا لنا أمصار الفرص البيض. ولعله لم يخطر لك ببال مطلقاً أن ما تردد فيه طرفك، وتعدّه من خاص ملكك في هذا الكون الوسيع، منتسب إلى عطاء حلم رائع تحقق، ورؤيا مجيدة صدقت. . .

أدر الطرف حولك واسأل: مَنْ ذا الذي منحنا النعم المألوفة لدينا، والصنائع الشائعة بيننا؟ ومَنْ ذا الذي أسبغ علينا النور ليلاً، وحبانا بالمقدرة على الطواف حول العالم؟ ومَنْ ذا الذي أباد الوباء ومحق الطاعون، وأعاننا على قهر جميع العلل والأدواء؟

لقد ملأت جميع هذه المواهب الكبيرة صدر العالم، وتتابعت علينا تتابع القطر على القفر، فورثناها مع الهواء الذي نستنشقه، وتلك الصيحة الظافرة تنبعث إلينا من أروقة الزمن قائلة: (وجدتها! وجدتها!)

إن أرخميدس لم يقم بمظاهر هائلة حين باح للعالم بسر الثقل النوعيً، ولكنه قفز من حمامه فجأة، وراح يركض في طرقات المدينة متهللاً، ويهيب بالناس قائلاً: (وجدتها! وجدتها!)

وكذلك كانت تلك الروح الزخارة، التي أنعشت دنيا العلم قاطبة، دون أن تضطرب بحب الكسب والمنفعة الشخصية، في كيان أي رجل ممن أثقلوا الكواهل بأياديهم التي يفرض لها الشكر ويتحتم، لأنهم بذلوها في سبيل المصلحة العامة، وأضافوها إلى حصائل العمران من فيض سجاياهم البارة، بسخاء نفوسهم الأمارة بالخير، المطبوعة على المعروف كأنه غريزة فيها تشبه غريزة التغريد في الطير، وعنصراً من عناصرها يحاكي الجمال والشذى في الزهر. . . وكانوا جميعهم سعداء مغتبطين إذ مكنوا الإنسان من حكومة نفسه، وضاعفوا قدرته على تصريف أموره والأخذ بناصيتها، وقد حملوا ألوية جهادهم، وبنود كفاحهم، وكلمات كبار (المجالدين) المستميتين من معشر الرومان، تتدفق من شفاههم، ولكن بروح من النبل الذي يبز كل ما اختلج من معانيه في حياة أولئك الرومان الغرّ الميامين وكأنهم كانوا يخاطبون الإنسانية بلسانهم قائلين:

(نحن الذين نوشك أن نموت موت الإيثار والمفاداة نحييك يا قيصر!)

<<  <  ج:
ص:  >  >>