[هل التقليد هو النظرية السائدة في التعليم والتشريع]
[بمصر الحديثة؟]
للدكتور محمد البهي قرقر
في مصر يلاحظ الإنسان العادي إذا ما تتبع الصحف اليومية فحسب تغييراً متتالياً في برامج التعليم وتعديلا من وقت لآخر في قوانين البلاد المدنية.
تؤلف وزارة المعارف لجاناً لتهذيب مناهج التعليم، يكاد يكون ذلك في آخر وفي أول كل سنة دراسية، وتكلف وزارة الحقانية في فترات قصيرة متتالية بعض رجالها المسئولين على شكل هيئات استشارية - تغير بعض مواد القانون الجنائي أو المدني مثلا. كل ذلك تتسابق الصحف في الإعلان عنه، وهو أيضاً حقيقة واقعة تتكرر كلما حدث تغيير أو بعض التغيير في هيئة الحكومة المركزية.
قد يمر الإنسان العادي بمثل هذه الأخبار دون أن يوقف بها وقفة تفكير، بل ربما يعدها مثلا النشاط الحكومي، ولكن الباحث الاجتماعي الذي يربط الحوادث بأسبابها، أو الباحث النفسي الذي يفتش للظواهر النفسية عن مصادرها، لا يدع هذه الظاهرة، ظاهرة التعديل المتكرر، تمر إلا ويستخلص منها نتائجها، ولكن لا في صورة نهائية يقينية - فذلك ما لا يعمد إليه الباحث المتروي - وإنما يضعها في صيغة استفهامية مرددة، وأول ما يخطر بفكره: هل لهذا التغيير والتحوير من سبب؟ هل ذلك السبب أساسي؟ أي له علاقة بالأساس الذي بني عليه التعليم وأرتبط به التشريع، أم هو عرض إضافي؟
وأساس التعليم والتقنين يختلف طبعاً باختلاف أحوال كل أمة، ويتكيف بالظواهر الاجتماعية والأوضاع الجغرافية لكل شعب: فالجنس والدين واللغة والعادات من المقومات الأولية في تكييف التعليم والتشريع. فالجنس - وأقصد به الجنس التاريخي الذي يتكون بمرور الزمن وتنشأ عنه وحدة جنسية - له صفات وغرائز نفسية ربما تباين كل التباين صفات وغرائز جنس آخر، فالجنس الشمالي مثلا عرف بالبطء في الفهم والتروي في التفكير، بينما الجنس الجنوبي - وخاصة سكان البحر الأبيض المتوسط - حاد الذكاء كثير الأخطاء في استنتاجاته العقلية. والدين له دخل كبير إلى حد ما في تكوين العادات الخلقية، الفردية والاجتماعية منها، في كل شعب، بل في وسط شعب واحد، فقد يرى الإنسان في