للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشعب مظاهر خلقية متباينة ترجع في اختلافها إلى اختلاف معتقدات الشعب نفسها. وكل لغة - بسبب تميزها بوسائل التعبير التي تنم عن طرق في التفكير لكل أمة خاصة - تعتبر عاملاً مهماً في تلوين التعليم والتشريع لا يقل عن عوامل العادات والوضع الجغرافي والحالة الاقتصادية للأمة.

فالتعليم الطبيعي إذن يسير على وفق غرائز الشعب وصفاته النفسية، لا بد أن يلاحظ فيه دين الدولة ولغتها وعاداتها. وسواء اعتبرت هذه كلها أو بعضها في نظر أمة أخرى أو أفراد منها - بناء على صورة نفسية مخصوصة ملقنة مثلا - ساذجة فطرية أو راقية، فالمبدأ الأساسي هو ربط التعليم بها ربطاً وثيقاً؛ وهذا الربط عينه هو ما يسمى عند علماء النفس والتربية بنظرية التعليم الوطني.

كذلك التشريع. فالجنائي والمدني منه يرتكزان على نفسية الشعب التي تتمثل في أفراده وعلى أخلاق الشعب وعوائده التي للدين فيها أثر كبير. فالمشترك الحديث لا يفرض عقوبة على جرم مثلاً إلا إذا وثق أن من وراء ذلك الردع والتهذيب، والردع والتهذيب كلاهما مرتبط بمعرفة نفسية المجرم وبظروف الإجرام، والمرآة الوحيدة التي تنعكس عليها نفسية المجرم وتتشخص فيها هي تحليل نفسية الشعب الموروثة والمكتسبة، والمقياس الذي يوضح ظروف الجريمة هي عادات الشعب وقانونه الخلقي، وليست المبالغة في العقوبة وحدها كافية في الردع والتهذيب كما يظن بعض المشترعين. وتشريع العائلة أساسه أيضاً دائماً عادات العائلة نفسها والعرف الشعبي الذي يحيط بها ومعتقدها الديني الثابت فيها ومنهجها الخلقي الذي تسيطر عليه. فإذا كان التشريع على هذه الأسس كان أيضاً تشريعاً وطنياً والتعليم والتشريع إذا كانا وطنيين كانت الغاية منهما محققة وثابتة وهي رفع المستوى التهذيبي للشعب من ناحيتين يلتقيان عند نقطة واحدة؛ إلا أن إحداهما وهي ناحية التعليم، ذات أثر داخلي، والأخرى وهي ناحية التشريع؛ أثرها من الخارج.

وكل حركة سياسية وطنية ترمي - إذا كانت سائرة في طريقها الصحيح - أولاً وقبل كل شيء إلى جعل التعليم والتشريع وطنيين، ولكن لا معنى صبغهما بالصبغة الحزبية وإلا كانت الغاية منهما خدمة شخصية بحتة.

على ضوء هذا التعريف الوجيز يمكن للإنسان أن يتبين أسباب التعديل والتغيير في مناهج

<<  <  ج:
ص:  >  >>