للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في سبيل العروبة]

مصر والعلم العربي

للأستاذ عمر الدسوقي

لا شك أن الحرب التي تدور رحالها اليوم ستتمخض عن انقلابات تاريخية وإقليمية ذات بال. ونحن - وإن لم نخض غمارها - متأثرون بنتائجها؛ وكل أمة تيقظ فيها الشعور القومي ترى لزاماً عليها أن تفكر في مصيرها، وتحدد هدفها؛ حتى تسير قدُماً نحو غايتها حين تضع الحرب أوزارها.

ومصر قد سلكت حتى اليوم مسلكاً رشيداً، وأتبعت سياسة ناضجة حكيمة إزاء هذه المحنة العالية، وكانت وفية صادقة لحليفتها، برة بوعودها، ولكنها لم تستغل هذا الموقف الشريف لخيرها وخير شقيقاتها العربية، التي تنظر إليها بعين ملؤها الرجاء والأمل. وعندي أن القضية العربية هي من أهم المسائل الحيوية التي يجب أن تدرسها مصر دراسة جيدة، وتوجه إليها عنايتها، وتبذل في سبيلها الجهود الصادقة.

أجل! إن مصر تتمتع في العالم العربي بمنزلة رفيعة، فقد حباها الله موقعاً جغرافياً هيأ لها التجارة النامية والثروة الطيبة، وجعلها صلة بين الشرق والغرب، وسخر لها النيل يفيض على واديها بالخصب والنماء، ويغدق عليها النعمة والثراء، فتصورها الناس في كل وادٍ أرض الكنوز المطمورة، والخيرات المتدفقة؛ ثم إنها أكثر البلاد العربية سكاناً وقد سبقت شقيقاتها في حمل مشعل النهضة على يد عاهلها الكبير محمد على باشا وخلفائه، وخطت خطوات واسعة في سلم الحضارة والعلم، فأصبحت ذات سلطان قوي على الرأي العام في البلاد العربية بما تملك من صحافة غنية منظمة، ومجلات أدبية وعلمية تعد الغذاء الروحي لعدد كبير من أبناء العروبة يفتقدونها إذا تأخرت، ويكبون عليها بشغف ونهم إذا أقبلت؛ وبأزهرها العتيد وجامعتها الحديثة؛ وبمطبعتها الخصبة التي ما فتئت تحي القديم وتظهر الجديد من المؤلفات القيمة والكتب الثمينة؛ وبكتابها الذين يزيدون في ثروة التراث العربي، ويتمتعون بشهرة واسعة في كل مكان تسود فيه لغة الضاد لغزارة أفكارهم وجودة أساليبهم، وتنوع كتاباتهم؛ وبالغناء المصري الذي يتردد على كل لسان في ربوع العروبة ويهتز له الشيخ الكبير والحدث الصغير على الرغم مما به من نقص، ولكن حسبهم أنه غناء مصري

<<  <  ج:
ص:  >  >>