للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى يفتنهم.

كل هذا جعل من مصر قبلة الأمم العربية، ومثالً تنسج على منواله وتترسم خطاه، وتتنسم أخباره بلهفة وشوق، حتى صار أبناؤها يختلفون فيما بينهم تبعاً لاختلاف الأحزاب المصرية، ويعرفون عن وادي النيل كل صغيرة وكبيرة.

فماذا كان موقف مصر من هذه البلاد التي تحبها حباً صادقاً لم يشتر بالمال ولم يبتذل في سبيله دعاية؟

لقد تقاعست مصر عن القضية العربية في الماضي - وهذه كلمة صريحة يجهر بها مصري مخلص لبلاده - ولم تعمل على جذب هذه القلوب التي تهفو لها حباً وإخلاصاً!

إي وربى! تقاعست مصر حتى كاد يفلت من يدها الزمام، وحتى قام من يناهضها ويعمل على تقويض سلطانها المتمكن في الأفئدة، بالدعاية الباطلة والإفك الصريح، مؤولاً تقاعس مصر بالكبرياء، وإعراضها بالغطرسة، ومصر - يشهد الله - مما يقولون براء.

أجل! لقد شغلت القضية المصرية والكفاح على سبيل الاستقلال كل أفكار وادي النيل، ولكن لم تمنعهم هذه القضية عن الانتصار للحبشة مثلاً بالمال والنفوس والدعاية، مع أن قطراً عربياً آخر كان ينكأ كل يوم بجراحات مثخنة مميتة، ويجاهد جهاد المستبسل المغوار في سبيل حياته، ومصر تنظر وكأن الأمر لا يعينها، حتى قبض الله لها رجلاً لا يوجد في الألوف مثله ذكاء وعبقرية وإقداماً، قدم لهذا القطر العربي المساعدة المالية السخية التي تكفكف دموع اليتامى والأيامى، ودفع بمصر في سبيل العروبة حاملاً بنفسه علم الدفاع، ولكن أبت الأقدار إلا أن تناوئه فانزوى عن الميدان.

كان لعمله هذا أثر محمود عند كل عربي، وأخذت الأعناق تشرئب إلى مصر تنظر ماذا تفعل، ولكن مصر رجعت إلى سابق عهدها من الصمت والتغافل ثم أشعلت نار الحرب وشغل كل امرئ بنفسه، إلى أن أصبحت حليفة مصر - بريطانيا العظمى - مسيطرة على الموقف في الشرق الأدنى، وصرح رئيس وزرائها مستر تشرشل - مثال الصبر والجلد والبطولة في الكفاح - بعطفه على القضية العربية، فهل آن لمصر أن تعطف على القضية العربية وهي أولى الناس بهذا الأمر؟

إن مصر عربية قلباً ودماً ولحمة وسدى! وكل من يقول غير هذا فهو مأفون الرأي. سائلوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>