للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أي أسبانيا]

للأديب حسين شوقي

أي أسبانيا! إني لأذرف دمعة صادقة على نكبتك لأنك وطني الثاني! ألم أقض طفولتي في ربوعك أثناء الحرب العالمية حينما نفي إليك والدي؟

أي أسبانيا! أصحيح أن الموت والدمار نزلاً بمدنك التي كانت رؤيتها بهجة للنفس ومتعة للنظر؟

أي أسبانيا! أصحيح أن المرء يستنشق رائحة البارود البغيضة من حقول بلنسية حيث كانت تعبق رائحة البرتقال؟

أصحيح أن يد الدمار قد امتدت إلى غرف الحمراء حيث مرحت الأميرات العربيات في شباب الدهر، بين أحضان الترف والنعيم؟

أصحيح أن كنائسك الفخمة قد أحرقت أو تهدمت، وكانت مقصد النبيلات الأسبانيات - أيام فتوح شارل الخامس وفيليب الثاني - للتضرع والصلاة، كي ترد إليهن أزواجهن من الحرب سالمين مظفرين؟. .

أي أسبانيا! أصحيح أن قومك الذين كانوا بالأمس مضرب الأمثال في اللطف والدعة وإكرام الضيف والترحيب بالغريب جن جنونهم بغتة، كأنهم أصيبوا بداء الصرع، فأخذوا يقتلون يمنة ويسرة؟

أصحيح أن قلوبهم غلظت إلى حد أنهم يقطعون أيدي الحسان الناعمة كي يلبسوها حليها، تلك الأيدي التي ما خلقت إلا للتدليل والتقبيل؟

أصحيح أنهم سئموا مصارعة الثيران فاستبدلوا بها الأنفس البشرية؟

أي أسبانيا! أين كانت كامنة هذه القسوة؟

بل من أين هبطت عليك؟

إن بعض الكتاب الغربيين ينسبها إلى الدم العربي الذي يجري في عروق الأسبان اليوم، ولكن الله يشهد أن هذا الدم بريء، لأنه دم أموي نبيل! إن أسلافنا العرب الذين استوطنوا الأندلس كانوا أبطالاً ولم يكونوا أنذالاً، إنهم لم يقتلوا العجزة والأطفال والنساء!

بل إن العرب فقدوا ثمار فتوحهم العظيمة بما كانوا يبدون من الحلم المتناهي إزاء الشعوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>