منذ عشر سنوات كنت أعالج (ضرساً) لدى طبيب إنجليزي يقيم في مصر من زمان طويل بل لعله ولد بها. والعجيب من أمره أنه خالف سنة قومه فأكثر من معاشرة المصريين وأتقن الكلام بالعربية، واندمج في مختلف بيئاتهم، وهو على خفة في روحه وظرف في طبعه حلو النكتة حتى لتحسبه (ابن بلد).
ففي يوم من أيام العلاج، وقد أخذ يعد دواءً، أراد أن يروح عني من شدة الألم ومرارة الانتظار بنادرة مما حفظ فقال: إن أحد الشيوخ مر ذات يوم بشارع ضيق من شوارع القاهرة، وبينما هو في سيره إذ قفز من أحد المنازل ديك على عمامته فأتلفها وهوى بها، فاستاء الشيخ وبحث عن صاحب المنزل ثم رفع أمره للقضاء. ولم يشك المدعي يوم الجلسة في صدور حكم لصالحه، فحقه في التعويض واضح، زكته اعترافات المدعى عليه في أول إجابته.
بيد أنه ذهل إذ سمع المدعى عليه يدفع بعدم الاختصاص!! والخصمان مصريان والمحكمة مصرية، وصرخ عجباً!! قال المدعى عليه (كل ذلك حق) ولكن الديك (رومي) فقضت المحكمة بعدم اختصاصها!!!.
إحدى الخراقات الفكاهية التي لا يعدو أثرها حين تطلق في مجلس أن تنتزع ضحكة، ولا نفيد منها إلا نصيباً من الترويح، لكنها من خير ما يصور الأثر الذي تركه ذلك النظام في بلادنا، والطابع الذي أقامه في روح الحياة بعد أن نال من مصالحنا وكرامتنا وآدابنا.
فكم تعطلت إجراءات عادلة بدعوى أفاق، حتى إذا فصل في أمره كان الزمن قد ذهب بالمصلحة والغرض، وكم من عاث تعب في أمره رجال الأمن وهو كل يوم يظهر بحيلة جديدة، وكم من حقوق مصرية بحتة أخرجت من دائرتها الطبيعية ودفعت لمجرد شبهة في صالح أجنبي، إلى محاكم استثنائية.
يعيش بيننا كثيرون يسيئون إلى سمعة دولهم أكبر الإساءة. فهم يؤجرون للتعرض في التنفيذ ويتخذون ذلك مهنة لهم، وإني لأذكر واحداً تعرض مرة في تنفيذ حجز على محصول لقاء مبلغ الإيجار - وكان المتعرض شخصاً معروفاً للناس تأنف منه الجالية التي