كان الصبح يتنفس عليلاً في الأفق الشرقي، وكان الفيزوف ينفث دخانه سحاباً طويلاً داكناً فوق نابولي والقرى المجاورة، وكان البحر النائم ملقياً رأسه الجبار على أَوَاذيّ سورّنتو، حيث انتشر الصيادون فوق الشاطئ وفي الماء وفوق الزوارق يعملون ويدأبون، لا فرق بين شيبهم وشبابهم، وكانت النساء يرفرفن فوق الأسطح القريبة كالأعلام المُنَشرة يؤدين أعمال الصباح. . . وكان الكل مبتهجاً سعيداً ولا سيما الفتى البحار أنطونيو الذي وقف في زورقه يملأ ناظريه من جمال الطبيعة المتبرجة فوق الشاطئ الإيطالي الفتان
لقد كان أنطونيو سعيداً هذا الصباح، لأن كثيرين من أهل سورّنتو يذهبون في مثل ذلك اليوم من كل أسبوع إلى قرية كابري ليبيعوا في سوقها ويشتروا. . . ولم يكن سعيداً لكثرة زبائنه فقط، بل كان سعيداً لشيء آخر. . . شيء عزيز. . . شيء هو حلم القلوب، وغذاء النفوس، ومسبح الخيال، ومستراد الحلم. .
وأقبل قسُّ من سورّنتو، فجعل يدلف حتى وقف على السّيف أمام أنطونيو. . . ثم قفز فكان في الزورق، والفتى مع ذاك في شغل عنه. . . وعن الدنيا جميعاً
- أنطونيو يا بني!! ماذا يمنعك أن تبحر قبل أن تشتد الشمس؟
- لا شيء أيها الأب. . . سنبحر حالاً!
ولكن أنطونيو كان لا يني يبحث في الشاطئ بعينيه، يرسلهما وراء أيكة. . . وكان القس القلق يرى في نظراته الحائرة طيف حبيب تائه. . . في عالم مجهول. . .!! فيعذره!!
ثم بدت فتاة جعلت تخطر بين دَوْح السنديان وتُلوح بمنديلها فوق الشاطئ، فهفا قلب أنطونيو، وطفح وجهه بالبشر المفاجئ وارتجفت يده، وشاع فيه مرح عجيب، فسأله القس!