للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة الطائشة]

للأستاذ مصطفي صادق الرافعي

. . . وهذا مجلس من مجالس الطائشة مع صاحبها، مما تسقّطَه من حديثها؛ فقد كان يكتب عنها ما تصيبُ فيه وما تخطئ، كما يكتب أهل السياسة بعضُهم عن بعض إذا فاوض الحليف حليفه أو ناكر الخصمُ خصمه؛ فان كلام الحبيبِ والسياسيّ الداهية ليس كلام المتكلم وحده، بل فيه نطق الدولة. . . . وفيه الزمن يقبل أو يُدبر

وصاحب الطائشة كان يراها امرأة سياسية كهذه الدولة التي ترغم صديقاً على الصداقة لأنه طريقها أو طريق حوادثها. وكان يسميها (جيشَ احتلال)، إذ حطت في أيامه واحتلتها فتبوأت منها ما شاءت على رغمه، واستباحت ما أرادت مما كان يحميه أو يمنعه. وقد كان في مدافعته حبها واستمساكه بصداقتها كالذي رأى ظل شئ على الأرض فيحاول غسله أو كنسه أو تغطيته. . . فهذا ليس مما يغُسل بالماء ولا يكنس بالمكنسة ولا يغطى بالأغطية، إنما إزالته في إزالة الشبح الذي هو يلقيه أو إطفاء النور الذي هو يثبته

في كل شيء على الأرض سخرية من الحسن الفاتن الذي تقدسه، تأتي من اشتهاء هذا الحسن؛ فذاك إسقاطه سقوطاً مقدساً. . . أو ذاك تقديسه إلى أن يسقط، أو هو جعل تقديسه بابا من الحيلة في إسقاطه. لابد من سفل مع العلو يكون أحدهما كالسخرية من الآخر؛ فإذا قال رجل لامرأة قد فتنته أو وقعت من نفسه: (أحبك) أو قالتها المرأة لرجل وقع من نفسها أو استهامها، ففي هذه الكلمة الناعمة اللطيفة كل معاني الوقاحة الجنسية، وكل السخرية بالمحبوب سخرية بإجلال عظيم. . . وهي كلمة شاعر في تقديس الجمال والإعجاب به، غير أنها هي بعينها كلمة الجزار الذي يرى الخروف في جمال اللحميّ الدهنيّ، فيقول: (سمين. . .!)

لهذا يمنع الدين خلوة الرجل بالمرأة، ويحرم إظهار الفتنة من الجنس للجنس، ويفصل بمعاني الحجاب بين السالب والموجب، ثم يضع لأعين المؤمنين والمؤمنات حجاباً آخر من الأمر بغض البصر، إذ لا يكفي في ذلك حجاب واحد، فان الطبيعية الجنسية تنظر بالداخل والخارج معاً. ثم يطرد عن المرأة كلمة الحب إلا أن تكون من زوجها وعن الرجل إلا أن تكون من زوجته، إذ هي كلمة حيلةٍ في الطبيعة أكثر مما هي كلمة صدقٍ في الاجتماع، ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>