رأيت في سينما ديانا بالقاهرة منذ شهور جريدة الأخبار الفرنسية تعرض صوراً من انهيار ألمانيا، فترى المهاجرين من النساء والعجائز هائمين مشردين؛ ثم تعرض منظراً مثله كان في فرنسا يوم انهزمت فرنسا، ويعقب المذيع فيقول بصوت خافت رهيب:(إن في الكون عدلا!) وترى المدائن المخربة، والذعر البادي، والدمار الشامل، ثم تعرض مثل ذلك مما كان في فرنسا ويعقب المذيع فيقول:(إن في الكون عدلا)!
نعم، يا جنرال، إن في الكون عدلا! ولكن قومكم ما استوفوا بعد قسطهم من عدل الله، وآية ذلك أنكم أصبتم فبكى لكم أعداؤكم، ورحمكم خصومكم، وكنتم عند الناس ضحية القوة العاتية، وشهداء العدوان المجرم، وكنت تثير الدنيا على الألمان أن حاربوا قومك، وقومك هم أعلنوا الحرب، وهم تقدموا إليها، وهم (زعموا) بنوها، قد غذوا بلبانها، وربوا في ميدانها؛ فلما نبت ريشك، ورد عنك عدوك، وأغضى عنك الدهر إغضاءة، نسيت كل ما كنت فيه، وما كنت تقوله وتخطب به، وأقبلت تجرب سلاحك فينا، فأخذتنا على ساعة غرة بحرب ما آذتنا بها، ولا أعلنتها لنا، فسخرت لقتالنا مدافعك وطياراتك، ويا ليته كان سلاحك يا أيها المحارب الظافر، ولكنه سلاح أغطيته عارية لتحارب به عدو صاحبه وعدوك، فحاربت به قوماً آمنين! حاربت يا أيها البطل النساء في الخدور، والأطفال في المدارس، والمرضى في المستشفيات. . . وما هابك النساء ولا الأطفال ولا المرضى، ولا رفعوا مثل العلم الأبيض، الذي رفعه قومك حين كان لهم سلاح، وكان لهم خط ماجينو، لأن لهم من إيمانهم حصناً لا تهدمه قنابلك، ولا تحرقه نارك!
وهذا الجيش (يا جنرال) الذي عقدت له اللواء، ورفعت فوقه العلم، وائتمنته على شرف فرنسا وتاريخها، قد أهوى باللواء، وطوح بالعلم، وعبث بالأمانة، حين سطا على المخازن، فكسر أقفالها، وفتح أبوابها، وأخذ ما فيها، وذلك فعل اللصوص لا الجنود!