[رسالة الشعر]
من أمسيات الخريف
للأستاذ محمود الخفيف
حَتَّامَ تَوحي شَمْسُهُ الغَارِبَهْ ... للنَّفْسِ هَذا الشَّجَنْ؟
حَتَّامَ تَحْكِي لِي المُنَى الذاهِبِهْ ... وَقَدْ تَرَاخى الزَّمَن؟
شُحُوبُهُ في وَجْنَتِي الشَّاحِبَهْ ... يَكشِفُ مِنْ أسْقامِهِ ما كَمَنْ
مَنْ مُبْلِغٌ آسِرَتي الغَائِبَهْ ... أنِّي غريبُ هَاهُنا في الوَطَنْ؟
أمْسُ انْقَضَتْ يا قَلبُ أحْلاَمُهُ ... فَفِيمَ هَذا العَذابْ؟
لا تَنْفَعُ المَحْزُونَ أوْهَامُهُ ... إلاّ كَلَمْحِ السَّرَاب
هَذا الأسَى النَّوَّاحُ أنْغَامُهُ ... كالرِّيحِ أنَّتْ في شِعَاب الهضابْ
وَدَمْعُكَ السَّحَّاحُ تَسْجَامُهُ ... كما هَمَى في القَفْرِ دَمْعُ السَّحَاب
وَأحَزَنَا هَذَي رِياحُ الخَرِيفْ ... نَوَّاحَةً شاكِيَهْ
أرْغُولُها غَنَّى بِهَذا الحَفِيفْ ... ألحَانُهَا النَّاعِيَه
حَشْرَجَةٌ فِيها نَشِيجُ مُخِيفْ ... لم تَخْلُ من أنَّاتِهَا نَاحِيَه
كَمْ أسْلَمَتْ للسُّقْمِ قَلْبِي اللَّهِيفْ ... وَأيقَظَتْ آلاَمِيِ الغَافِيَهْ!
تَهَيَّأتْ لِلْمَوْتِ شَمْسُ الأصِيلْ ... رَاجِفَةً كاسِفَهْ
مَا زَادَ في العُمْرِ النَّهَارُ الطَّوِيلْ ... عَنْ لَمْحَةٍ خَاطِفَهْ!
في مِثْلِ هَذا الوَقْتِ كانَ الرَّحيلْ ... والشَّمْسُ في كَفِّ الرَّدَى راعِفَه
لمْ أنْسَ وَالقَوْلُ دُمُوعٌ تَسِيلْ ... أفْئِدَةً يَوْمَئِذٍ وَاجِفَه
تَجْهَشُ يا أُمَّاهُ هَذا السَّفَرْ ... تَحْزَنُ رُوحي لَهُ
أُمَّاهُ ما أَحْسَسْتُ هَذا الأثَرِ ... في سَفَر قَبْلَهُ!
ولا تُحيرُ الأمُّ غَيْرَ النَّظَرْ ... في شَجَن ما عَرَفَتْ مِثْلْهُ
وَذَاكَ رَبُّ الدَّارِ مَهْمَا صَبَرْ ... يكادُ لا يُبْصِرُ ما حَوْلَهُ
وَالتَفَتَتْ هَامِسَةً بِالسَّلاَمْ ... بَاسِمَةً دَامِعَهْ
وَحِرْتُ وَاسْتَعْصَي عَلَىَّ الكَلاَمْ ... وَانْطَلَقَتْ جَازِعَهْ