للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصور الذاتي]

للدكتور على مصطفى مشرفة

من صفات المادة الملازمة لها والتي تكاد تكون دليلا عليها ما يسمى، القصور الذاتي، وهو نوع من الجمود أو الخمول، به تقصر المادة بذاتها وبدون مؤثر خارجي عن ان تأتي حراكا، ونحن نحس بوجود هذا الجمود إذا حاولنا تحريك جرم من الأجرام - ككتلة من الحجر مثلا - فأننا نشعر بمقاومة كأنما المادة تأبى علينا مجهودنا وتريد أن تترك وشأنها.

وربما بدا لأول وهلة أن المادة إنما تميل بطبعها إلى السكون وتجنح إليه وتؤثره على الحركة، ولكن قليلا من الخبر يدلنا على أن المادة المتحركة تقاوم كل محاولة لإيقافها كما تقاوم المادة الساكنة كل محاولة لتحريكها. فإذا شك أحد القراء الكرام في كلامي هذا فما عليه إلا أن يتحقق من صحته بنفسه، بأن يتعرض لجسم متحرك كحجر منطلق في الهواء مثلا - محاولا إيقافه أو تغيير اتجاه سيره، ونصيحتي في هذه الحال أن يختار جسماً صغيراً ذا سرعة ضئيلة وإلا عظمت التضحية في سبيل العلم

فالقصور الذاتي هو قصور عن السكون إذا كان الجسم متحركاً، كما أنه قصور عن الحركة إذا كان الجسم ساكناً، وفي الواقع هو قصور عن التغير وميل إلى بقاء الحال على ما هو عليه، فهو إذن نوع من المحافظة. ولنا أن نعكس هذا التشبيه فنقول إن المحافظة هي نوع من القصور الذاتي أو الجمود، فالخطيب المصقع الذي ينادي أن حافظوا على عاداتكم الموروثة وتمسكوا بتقاليدكم وتقاليد آبائكم ربما كان لا يعبر عن أكثر من القصور الذاتي لمجموعته العصبية!

وعلى قدر عظم كمية المادة يكون قصورها. فالكتلة الكبيرة من الحديد مثلا أعظم قصورا من الكتلة الصغيرة منه، وبالعكس، ولذلك أتخذ القصور الذاتي دليلا على مقدار الكتلة ومقياساً له.

وقد كان يظن حتى أواسط القرن الماضي أن القصور الذاتي خاصية من خواص المادة وحدها تتميز بها عن سواها، إلا أنه وجد أن الضوء يشاركها هذه الخاصية. فالضوء إذا اعترضه حائل في طريقه دفعه وضغط عليه كما تفعل المادة المتحركة، ويبلغ ضغط الضوء العادي للشمس نهارا على سطح الأرض نحو ثقل نصف كيلو جرام عن كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>