مضى الليل إلا أقلّه و (إلهام) تضطرب في فراشها لا تستقر، تتلمس الكرى فلا تجده وتنشد الراحة فلا تنالها، وقد اطمأنت إلى الظلام والسكون يعصرها الهم ويضنيها الأسى، تنغمر في خواطرها والساعات تنطوي. و (إلهام) فتاة في الثامنة عشرة من سني حياتها فهي في شبابها الأول تنبض بالحياة وتتفتح عن أمل باسم وتتألق عن جمال رائع فتان، تشع نوراً وسعادة وتتلألأ بهاءً وضياءً. لم تذق الحزن ولا عرفت معنى الكآبة، فهي بين أبيها وأمها وأختها الصغرى في بهجة ما تنقطع أسبابها، فما لها - الآن - تجلس وحدها في ظلام الحجرة وظلام الأخيلة؟ وإن الشيطان ليوسوس لها بين حين وحين فلا ترى الحياة إلا عوداً من ثقاب تشعله في ثيابها، وإلا حبلاً تلفه حول عنقها وتتعلق به فيقضقض عظام رقبتها، وإلا نافذة تنفتح لتقذف بنفسها منها. ولكنه ما يزال فيها بقية من دين وصبابة من أمل.
وتسرب نور الصباح إلى حجرة إلهام يفزعها عن فراشها وعن خواطرها في وقت معاً، واندفعت صوب الشباك تريد أن تسرّي عن نفسها بعض ما أمضّها فما وجدت في نسمات الصباح الندية ما يرفه عنها كربة قلبها، ولا في النور الجميل المتدفق من لدن المشرق ما يمسح على همّ روحها.
يا عجبا! لقد كانت تجد في بسمة الصبح الجمال والحياة والنشاط جميعاً فما بالها الآن تفر منها في ضيق وملل.
وفي عصر يوم من أيام الربيع - منذ أربع سنوات - والرياح تهب رخيةً لينة توقع لحن السعادة والنور على قيثارة الربيع الهادئ الجميل، والطائر الغريد يثب على أفنان الشجر وهو يشدو بأنغام النشوة والمرح، والأزاهير تنفح عبيرها في خيلاء وتتمايل سكرى وقد هزتها اللذة واستخفها الطرب، والشمس تنحدر إلى خدرها رويداً رويداً لتذر هذا العالم