أحبتها إلى حد الجنون! ولماذا يحب الإنسان؟. . . لماذا يجب؟ ما أغرب الحالة التي يصير إليها من لا يريد أن يرى غير امرأة واحدة ولا يفكر إلا في فكرة واحدة ولا يضمر إلا رغبة واحدة ولا ينطق إلا باسم واحد يخرج من أعماق نفسه متدفقاً كالماء من الينبوع ولا يزال يعيده في وحدته كأنه بعض الصلوات والأدعية!
سأخبرك بقصتنا وهي قصة لجميع المحبين، فإن للحب سيرة واحدة. . . قابلتها فأحببتها وبقيت عاماً كاملاً أعيش في حنانها ورحمتها. . . بين ذراعيها وثوبها. في كلماتها ونظراتها وكنت مغموراً في كل ما يصدر عنها فلم أعد أعرف الليل من النهار، ولا الحياة من الموت، ولا هل كنت في الأرض أم في مكان آخر
ثم ماتت ولكن كيف؟
لست أدري، لم أعد أذكر!
جاءت مبتلة الثياب في ليلة ممطرة، وفي اليوم التالي أصيبت بالسعال، ثم اشتدت الحالة بعد أسبوع فلزمت الفراش. ولست أدري ماذا حدث في خلال هذه المدة أن الطبيب كان يأتي ويكتب ورقة وينصرف. . . وكانت امرأة في المنزل تحضر الدواء وتسقيها. وكانت يداها حارتين وجبينها يكاد يحترق. وعيناها تسطعان في حزن. وكنت أكلمها فتجيب، ولكنني لا أعي ماذا كنا نقول. . . لقد نسيت كل شيء! كل شيء. . . كل شيء! وماتت وأنا لا أزال أتصور شهيقها الخافت الضعيف
وقالت الخادم إنها عرفت كل شيء. . . فأما أنا ففقدت إدراكي؛ ثم رأيت القسيس يوجه الخطاب إلى ويقول:(خليلتك. . .)؛ فخطر لي أنه يريد إهانتها، ولأنها قد ماتت فما ينبغي أن يشير أحد إلى ما كان بيني وبينها، ولذلك طردت القسيس. . . وجاء رجل في غاية الشفقة واللطف فكلمتي عنها كلاماً أجرى دموعي
واستشاروني في أمر الجنازة ولكني لا أدرك كلمة مما قالوه، وإن كنت أتذكر شكل الصندوق وصوت الفؤوس، وحينما فتحوا القبر، عفوك اللهم ورضاك!