قال الزاهد الرحالة أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الخواص. .
. . . وفي يوم جميل صفت سماؤه واعتدل هواؤه ركبت البحر في لفيف من الصوفية نريد بعض البلاد الإسلامية التي انتهى إلينا من أخبارها ما حبب إلينا السفر إليها وزيارة العارفين وأهل العلم فيها؛ أولئك الذين فرقهم الله في الأرض كما فرق النجوم في السماء للنور والهداية. ودلالة الخلق على الخالق؛ ونحن في التماس النور عند هؤلاء بالتنقل والأسفار أشبه بالتجار بيد أن بضاعتنا لا تكون من زهرة الدنيا ومتاعها بل هي من زاد الآخرة وكفا والسفر عندنا بعض أساليبنا الصوفية في رياضة النفس المؤمنة على الرضا بالقدر وقبول الحياة الدنيا في مختلف أشكالها وأحوالها. ومن سنن الحياة الثابتة أنها لا تثبت على حال؛ وقد لا يشق على النفس إذا اعتادت التحول عن مكان إلى آخر ومفارقة الأهل والأحباب وما ألفت من العوائد والمشاهد أن تتحول مع الحياة على الحلو والمر؛ وأن تصبر لصروف الدهر فلا يغرب عنها صوابها أو يضل ضلالها إذا جرت عليها الأحداث والمكارة. . . بلى. . . وأن من سنن هذه الحياة أن لا تستقيم للأحياء على الأرض إلا بنور من السماء، فإذا ما حادت منهم جماعة عن ذلك النور السماوي تناولتها سنة بقاء الأصلح بالمحور والانقراض فلم تبق منها إلا آثارها لتحدث أخبارها لأمثالنا من السائحين في الأرض للنظر والمعرفة والاعتبار.
. . . وسارت بنا السفينة باسم الله مجريها ومرساها في جو صحو وماء رقراق، وذهب قرص الشمس يتهادى بجوارها على صفحة الماء الفضية التي رفت عليها أشعة الأصيل فتماوجت بألوان كبريق الذهب والفضة وراح الشاطئ الأخضر يتباعد رويدا رويدا حتى اختفى وأمسينا بين الأزرقين. . . البحر والسماء، ثم أقبل الليل فتوارى عنا قرص الشمس كأنما خر عن الأفق الفاني إلى أعماق المحيط، وما أروع الطبيعة إذا خلعت بياض النهار وغشيها الليل بظلامه المطبق وصمته الرهيب.
. . قال أبو إسحاق. . . وفي روعة الجلال السافر ومظاهر الإبداع الباهر وجمال الطبيعة