الساحر نسينا نفوسنا وحلقت أرواحنا في ملكوت السموات والأرض، وغنى الملاحون حبورا بهذا الجو الجميل وتعالت أصواتنا بالتهليل والتكبير والثناء على رب هذا الكون العظيم فإنما الطبيعة لدينا محراب كبير تتجلى فيه مظاهر القدرة الأزلية في شتى المرائي والصور، فلا تكون نظرات العارف في مشاهد الطبيعة إلا كتأملاته في سور القرآن. والطبيعة كتاب الله المنشور والقرآن كتابه المسطور، وكلاهما تعبير عن وجود الله وكماله، بيد أن التعبير هنا بالآيات والسور المحكمة، وهناك بالمناظر والصور المجسمة؛ ومن ثم نجد القرآن كثيرا ما يحيل العقل في فهم معانيه وتحقيق براهينه على كتاب الطبيعة الخالد.
. . . قال وإنا لكذلك في نشوى وتأمل، وخشوع وتبتل، وقد فاتنا أن البحر أشبه ما في الحياة بالحياة فما ينفك يتلون ويتبدل وتتعاقب عليه المكارة والأهوال، ودوام الحال فيه من المحال، إذا بالسماء الصافية وقد غارت نجومها وتلبدت غيومها، وإذا بالريح الرخاء تهب علينا عاتية هوجاء، فهاج البحر وماج، وعج العجاج وتلاطمت من حولنا الأمواج وترنحت الفلك وجعلت الأعاصير الهوجاء تصارعها والأمواج الثائرة تتقاذفها هنا وهناك وهنالك. . . هاجت الريح فهاجت بنا المخاوف وأرعدت السماء فارتعدت الفرائص واضطربت القلوب بين الجوانح، وأشرفنا على الغرق واشتد الهول فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، هنالك أقبلنا على الله منيبين إليه تائبين، وبسطنا أيدينا بالتوسل والدعاء، ولو أن أشد الناس عنادا وأظلهم إلحادا ركب البحر فجاءته ريح عاصف وأحاط به الموج من كل مكان وبدا له شبح الموت الرهيب يسعى إليه في اللجة بين ريح عاصف ورعد قاصف وبرق خاطف وسحاب مركوم لانجابت الغشاوة عن بصيرته ولآمن لساعته؛ ذلك بأن دواعي الإيمان تلم آنئذ بأمراض النفس الضالة كما تسقط أشعة الشمس على قطع الجليد. من هنا دعا الإسلام إلى الإيمان بالرحمة والخوف، وناضل عن الحق بالبرهان وبالسيف. . . ثم وقعت الواقعة وارتطمت السفينة واندفعت بها الأعاصير إلى صخرة عظيمة فتحطمت وتناثر في اليم أشلاؤها وركابها جميعا.
. . . قال أبو إسحاق: تحطمت سفينتنا ولكن لم تتحطم ثقتنا بالله ورحمته ولطفه فتشبثنا بحطامها وجرفنا التيار الزاخر فجعلنا نغوص ونطفو والأمواج تتقاذفنا وقد غبنا عن الوجود حتى انتهينا إلى شاطئ لا ندري أي شاطئ هو فوقعنا على البر ساجدين شكرا لله الذي