للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية: (٣، ٤، ٥)]

الحرية

للأستاذ كمال دسوقي

٥ - حرية التصرف:

وعلى أساس هذه الحرية العقلية التي قررها (مل) بوضوح وجلاء حتى الآن، تترتب الحرية العملية في التصرف، فللإنسان مطلق الحرية في إبراز آرائه من حيز الفكر إلى حيز العمل، ومن نطاق العزم إلى نطاق التنفيذ، مادام أن عواقب هذه الأمور قاصرة على صاحبها، ومادام تنفيذها ليس من شأنه أن يضر بالغير، فحرية الفعل والعمل هي الشق المتمم لحرية الفكر والقول. على أن استخفاف الناس بهذه الحرية الشخصية في ناحيتيها، وقلة إيمانهم بها، وعدم حرصهم عليها ومراعاتهم لها، وإغفالها كذلك في برامج الفلاسفة والمصلحين، هو العقبة دون تحقيقها، ولو قد حرص أولئك وهؤلاء فيما يرى (مل) - على امتلاك هذه الحرية والإبقاء عليها وحسن استخدامها؛ لما كان للمجتمع في أي أمر من أمورهم أدنى تدخل، ولو كان ذلك بإرادتهم أنفسهم.

وإنما تأتي ضرورة هذه الحرية الشخصية في الفكر والعمل جميعاً، من أنها لابد لازمة لنمو الملكات، وظهور المواهب، ولا يتأتى ذلك للأفراد إلا بأن يلموا أولاً بتجاريب السلف وخبراتهم، وأن يستفيدوا بها بادئ الأمر، حتى يتهيأ لهم تأويلها وتحويرها بما يوافق ظروفهم ومواقفهم، وحتى لا يصدرون في أفعالهم وآرائهم عن تقليد وجمود وانسياق، بل اختيار ومفاضلة ومران عقلي وشجاعة أدبية، تتحقق معها نفوسهم بما هي نفوس إنسانية، وتنتظر ملكات هذه النفوس من ملاحظة وتأمل، وحكم وتدبر، وعزم وإرادة. فلم توهب هذه الملكات لنعطلها ونقضي عليها بحجة التسليم للمشيئة - وفي هذا ما يكفي للرد على أنصار المذهب الكلفاني - ولن يكون إنكار الذات بالنسبة للشخص أكثر شرفاً وفائدة من تقرير الذات بالنسبة للمجتمع، فإن في ارتقاء شخصية الفرد علواً بنفسه ومجموعه وخصباً لحياتهم خصوصاً وأن آفة مجتمعنا الحديث لم تعد طغيان شخصية الأفراد وبطشها وجماحها بقدر ما في خضوعها للمجتمع واستكانتها لرغباته، وانقيادها لإرادته في العادات وأخص

<<  <  ج:
ص:  >  >>