كانت ديميتير الطيبة، ربة الخيرات ومغدقة البركات؛ الرحيمة البارة؛ ملونة الزهر، ومنضجة الثمر؛ واهبة الحقول خضرتها والبساتين نضرتها. . . كانت ديميتير الطيبة تسكن في قصر منيف يشرف على سهل إنا أروع سهول جزيرة صقلية جمالاً وأعذبها ماء وأطيبها هواءً، وكانت، حين يتنفس الصبح، تلبس تاجها اليانع الذي ضفرته من سنابل القمح، وتتناول باقة من زهرات الخشخاش ريانة، وتقبض بيمينها على صولجانها العتيد، المرصع بالزبرجد، ثم تستوي في عربتها المطهمة فتنطلق بها الصافنات الجياد تجوب أنحاء الأرض، وتمر بكل مزرعة، وتقف عند كل كرمة؛ تهب القمح من نفحاتها فيربو، والثمر من بركاتها فيزكو، والينع من أنفاسها فيطيب. ثم تعود إذ يجن الليل، فتهرع إليها ابنتها الصغيرة برسفونيه فرحة متهللة، لافة ذراعيها الجميلتين حول ساقي أمها، كأنما تبثهما ما في قلبها الصغير من لوعة وغليل!
وكانت الفتاة - برسفونيه - تقضي ساحبة النهار، إلى أن تؤوب أمها، في سرب من أترابها، بنات الغاب الحسان؛ فيظلن يقطفن الزهر، ويجمعن الرياحين، ثم تنشب بينهن معركة حامية من معارك الطفولة، وملحمة صاخبة من ملاحم الصبى؛ فيتراشقن بالورد، ويترامين بالزنبق الغض، ويتضاربن بأفواف السوسن. . . وهن فيما بين هذا وذاك يقرقعن بالضحك، ويتبادلن النكات، ويتغنين الأغاريد؛ فتستجيب الغابة لهن، وتترقرق الغدران من تحتهن، وتهدل الأطيار من فوقهن، وتمتلئ الدنيا حولهن نشوة وحبوراً
وكأن بلوتو: إله الموتى، ورب الدار الآخرة؛ قد مل هذا السكون المخيم في مملكته تحت الأرض: هيدز، وسم هذه الأشباح التي تطيف به هنا وهناك في الظلمات المحيطة به، وأرواح الموتى تئن وتتوجع في كل مكان من ملكه القابض الحزين؛ فأسرج عربته