خطر لي أن أجعل موضوع مقالي في هذا العدد الخاص بالعرب والإسلام بحثاً مجملاً عن عبقرية النبي عليه السلام من الوجهة العسكرية لتتم المناسبة بين المقال وبين موضوع العدد كله والوقت الذي يصدر فيه وهو وقت قتال أو تحفز لقتال
ولا محل للمشابهة بين الحرب في عهدنا هذا وبينها في عهد الرسالة الإسلامية، لأن الحرب قد أصبحت منذ ابتداء القرن العشرين حرب مواقع، كالحصون المنيعة من خط ماجينو وخط سيجفريد، أو كالخنادق التي كانت غالبة في الحرب الماضية، ولاسيما في الميادين الغربية
أما في القرن الماضي فقد كانت الحرب (حرب حركة) كما كانت قبل أربعة عشر قرناً أو قبل عشرين قرناً بغير اختلاف كبير في المبادئ والأفكار، وغاية ما هنالك أن الرامية حلت محل القوس والسهم، وأن المدفع حل محل المنجنيق، وأن القذائف حلت محل النار الإغريقية وما إليها
لهذا اخترنا أبرع القادة المحدثين على أسلوب (حرب الحركة) وهو نابليون بونابرت، لنبين السبق في خطط النبي العسكرية، بالمضاهاة بينها وبين خطط هذا القائد العظيم
١ - فنابليون كان يوجه همه الأول إلى القضاء على قوة العدو العسكرية بأسرع ما يستطيع، فلم يكن يعنيه ضرب المدن ولا اقتحام المواقع، وإنما كانت عنايته الكبرى منصرفة إلى مبادرة الجيش الذي يعتمد عليه العدو بهجمة سريعة يفاجئه بها أكثر الأحيان، وهو على يقين أن الفوز في هذه الهجمة يغنيه عن المحاولات التي يلجأ إليها جلة القواد
وعنده إنه يستفيد بخطته تلك ثلاثة أمور: أن يختار الموقع الملائم له، وأن يختار الفرصة، وأن يعاجل العدو قبل تمام استعداده
وقد كان النبي عليه السلام سابقاً إلى تلك الخطط في جميع تفصيلاتها
فكان لا يبدأ أحداً بالعدوان، ولكنه إذا علم بعزم الأعداء على قتاله لم يمهلهم حتى يهاجموه جهد ما تواتيه الأحوال، بل ربما وصل إليه الخبر كما حدث في غزوة تبوك والناس مجدبون والقيظ ملتهب والشدة بالغة، فلا يثنيه ذلك عن الخطة التي تعودها، ولا يكف عن