ألفت ألا أكتب عن كتاب إلا بعد ركود الضجة التي تقوم حوله، سواء عندي أكانت ضجة استحسان أم ضجة استهجان، ثقة مني بأن النسمة الهادئة تكن ما لا تكن الريح العاتية. والآن وقد هدأت الضجة حول ديوان الجبل الملهم، وقر ضمير صاحبه بعد أن أحرز على جائزة (ادغاريو) الفرنسية، واطمأن وجدانه للحفلة الرائعة التي سيخطب فيها أدباء لبنان، مرحبين بشاعر تغني بجمال لبنان! وخلاصة تلك الضجة التي قامت والتي ستقوم عبارات ثناء بدون كيل، وجمل ولاء بلا وزن، ترفع (شارل القرم) إلى ذروة دونها الذرى التي تغني بها وتحدث بجمالها، وكيف لا يرفع النبوغ أصحابه في بلاد يعرف أهلها معنى النبوغ ويرعون حق النبوغ ويقدرون قدر النبوغ؟
تناولت ديوان (الجبل الملهم) من بين دواوين كلها عيون رانية إلي، يستنجز أصحابها مني وعداً بالكتابة عنها، فآثرت الالتذاذ بديوان يحدثني - في الصيف - عن الجبل الملهم، فأهملت من هم أدنى إلي وعكفت على الجبل الملهم أتلوه بشوق وغبطة ولذة. وقد شغلت نفسي بتأمل الأمثلة الفنية فيه، كاملة هنا متوسطة هناك ناقصة هنالك، وأنا برغم هذا التفاوت في مراحله لم أدع لغبطتي مجالاً لهزيمة
هنالك أجزاء متفككة عملت على وصلها بخيالي، وهناك اضطراب كثير في ألحان بعض الأوزان التي جاءت كثرة تنوعها زيادة في التشويش، فلا تكاد تهدأ الأذن إلى لحن حتى يطلع لحن آخر تنبو عنه. فحملت ذلك إلى نقص في الكفاءة الفنية التي تحتاج إلى تمرين كبير، وهنالك بعض تشابيه تمجها آذان أهل البلاد أنفسهم، لأنها لا تمازج روح لغتهم، ولا توائم نفس عبقريتهم، كتشبيه الشمس (بصابون السحاب)، وهنالك ضياع المثل الأعلى الذي يتبعه الشاعر بحيرة، يتبعه بقلب موزع مضطرب، فلا يدرك ما هو هذا المثل ولا