إن الحاجة الملحة للأخلاق نجمت عن تعارض الرغبات، سواء بين أناس مختلفين أو في أوقات مختلفة أو حتى في وقت واحد؛ فالرجل يرغب في احتساء الخمر ويرغب أيضاً أن يتهيأ لعمله في الصباح التالي، ونعده فاسداً إذا اختط لنفسه الخطة التي بالمبذرين والطائشين حتى ولو لم يصيبوا أحد غير أنفسهم بأذى. ويرى (بنتام) أن كل الأخلاق يستطاع ردها إلى (النفع الذاتي المستنير) وأن كل من يعمل دائماً ناظر على مدى الوقت إلى أقصى ما ينيله قدراً من الرضا الخالص، فإنه ينهج النهج القويم دائماً. أما أنا فلا أستطيع أن أقبل هذا الرأي؛ فالطغاة الذين وجدوا سروراً طافحاً من مشاهدة إنزال العذاب، لا أستطيع أن أثنى عليهم حينما أدى بهم الحذر والحكمة إلى أن يبقوا على أرواح ضحاياهم. رغبة منهم في تعذيبهم في يوم آخر. ومهما يكن من شيء فإن الحذر مما تتطلبه الحياة السعيدة؛ وهناك أشياء أخرى مماثلة لذلك، حتى (روبنسون كروزو) كانت عنده الفرصة لأن يمارس المثابرة، وضبط النفس، والتبصر، التي يجب أن تعد من الصفات الأخلاقية، لأن هذه الصفات زادت من مجموع رضاه دون إلحاق ضرر بالآخرين. وهذا الجزء من الأخلاق يلعب دوراً هاماً في تدريب الأطفال الذين لديهم ميل ضئيل إلى التفكير في المستقبل، ولو كان ذلك قد تحقق في زمن سالف لتحول العالم إلى فردوس، لأنه سيكون من السهل منع الحروب التي هي من عمل الهوى لا العقل. ومع ذلك فإنه رغماً عن أهمية الحذر فإنه ليس أهم جزء في الأخلاق. ولا هو بالجزء الذي يثير مشاكل ذهنية لأنه لا يتطلب اهتماماً بشيء خارج المنفعة الذاتية.
والجزء من الأخلاق الذي لا يشمله الحذر والحكمة، هو في جوهره مماثل للقانون أو لقواعد المجتمع؛ إذ أن ذلك منهج لتمكين الناس من أن يعيشوا في مجتمع مع بعضهم