بالرغم من احتمال تعارض رغباتهم، لكن يحتمل هنا منهجان جد متباينين: فهناك منهج قانون العقوبات الذي يهدف إلى تحقيق التوافق الخارجي فقط، يربط الأفعال التي تعترض رغبات أناس آخرين في حالات معينة بنتائج غير مرغوب فيها. وها هو ذا منهج التقريع الاجتماعي: فإذا عد المرء مجتمعه الخاص شريراً فإن ذلك لون من ألوان العقاب، ولذا يتجنب ما يحذره معظم الناس من أن يعرف عنهم أنهم مخالفون لدستور مجتمعهم. ولكن هناك منهج آخر أمتن أساساً وأشد إقناعاً حينما يعمل به، وهذا المنهج هو أن نغير شخصيات الناس ورغباتهم بأن نضيق فرص التعارض والخلاف، بجعل نجاح رغبات إنسان واحد تتفق مع رغبات الكثيرين بقدر الإمكان، وهذا هو السبب في أن الحب خير من البغض، لأن الحب يحل الانسجام محل الاختلاف بين الأشخاص المرتبط بهم، وإن أثنين بينهما آصرة الحب ينجحان معاً أو يفشلان معأن ولكن حينما يكره أحدهما الآخر، فإن نجاحه هو فشل الآخر.
وإذا كنا مصيبين في قولنا إن الحياة السعيدة التي يلهمها الحب وتهديها المعرفة، فإن من الواضح أن الدستور الأخلاقي لدى أي مجتمع ليس قطعياً ولا مكتفياً بذاته، بل يجب أن يمتحن بقصد أن يرى: هل الذي أملاه مثلاً الحكمة وحب الخير؟ ولم تكن القوانين الخلقية دائماً معصومة من الخطأن فإن الآزتك يعدون من واجباتهم المشدودة، أن يأكلوا اللحم البشري، وذلك لئلا يصبح ضوء الشمس معتماً. ولقد اخطئوا في عملهم، ولعلهم كانوا يدركون وجه الخطأ فيه، لو كان عندهم شيء من الحب نحو الضحايا المضحي بها. وبعض القبائل يحسبون البنات في الظلام من سن العاشرة إلى السابعة عشرة، خوفاً من أن تجعلهم أشعة الشمس يحملون ولكن. . . من المؤكد أن قوانيننا الأخلاقية الحديثة لا تحتوي على شيء مماثل لهذه الأعمال الوحشية!! ومن المؤكد أيضاً أننا لا نحرم من الأشياء إلا تلك التي تضر حقيقة، أو على الأقل تلك التي بلغت حد الفظاعة، حتى أن أي شخص مهذب لا يستطيع أن يدافع عنها!!. . ولكني لست متأكداً مثل هذا التأكيد. وأن الأخلاق الشائعة لمزيج عجيب من المنفعة والخرافة، ولكن للجزء الخرافي القدح المعلي، لأن الخرافة هي أصل السنن الخلقية، فلقد كان في الأصل يظن أن بعض الأفعال لا ترضي الآلهة، وقد حرمت بالقانون لأن اللغة الإلهية كان من المتوقع ألا تحل بالأفراد الآثمين فقط،