كانت مرجريت دي تيرول تعاني سكرة الموت وهي بعد في الواحدة والخمسين من سني حياتها؛ إلا أنها كانت تبدو لرائها على الأقل في الخامسة والستين. . . وراحت تتنفس وهي أشد أصفراراً من أدثرتها. . . تخالج جسدها رعشات هائلة. . . شاحبة الوجه. . . زائغة البصر، كما لو كان شيئاً هائلاً يلوح لها. وراحت شقيقتها الكبرى (سوزان) تنتحب، وهي تكبرها بعشر سنوات، وكانت جالسة بالقرب من السرير، وكان بالقرب من فراش المحتضرة منضدة عليها مفرش من فوقه شمعتان مشتعلتان. . .
كانتا في انتظار القس الذي كان من واجبه أن يقوم بمباركتها البركة الأخيرة ويقدم القربان المقدس. وكان للمسكن ذلك المنظر المشؤوم لحجرات الموتى، منظر الوداع الذي لا لقاء بعده. . . زجاجات الدواء على كل قطعة من الأثاث. . . والملابس ملقاة في كل ناحية من نواحي الغرفة. . . مدفوعة بركلة قدم أو بضربة مكنسة. . . حتى الأرائك كانت في غير أماكنها المعدة لها. نعم فقد كان الموت المروع ثم مختبئاً منتظراً. . .
كانت قصة الشقيقتين تستدعي رحمة القلوب وإشفاقها. . . وراح القوم يروونها من زمان بعيد وهي بعد تستدر عبراتهم
كانت سوزان في ميعة صباها يحبها فتى إلى حد الجنون. . . وكانت تبادله الحب. . . وإذ لم يعد على زواجهما غير أيام معدودات مات (هنري دي سابير) فجأة. . .
ولقد كان يأس الفتاة قاتلاً حتى لقد أقسمت ألا تتزوج أبداً. . . والحق أنها برت بقسمها وعاشت عيشة العوانس، ولم تشذ عن عادتها مطلقاً
. . . وذات صباح جاءتها شقيقتها. . . شقيقتها الصغرى (مرجريت)، ولم تكن بعد قد تعدت الثانية عشرة وألقت بنفسها بين ذراعي شقيقتها الكبرى وقالت لها:
يا شقيقتي الكبرى. . . إنني لا أريد أن تكوني تعسة. . . لا أريد أن تبكي طول حياتك. .