منذ أسبوعين قرأ الناس في الرسالة (مناقشات) الأستاذ عبد المنعم خلاف حول (التصوير الفني في القرآن) وحول (المنطق الوجداني) كذلك.
وإذا أنا عدت اليوم إلى مناقشة هذه المناقشات، فإنما يدعوني أليها أنها طريقة مضمونة لتوجيه النظر إلى الجمال الفني في القرآن من زاوية لم تعرف قبل الآن. فأنا أزعم أن هذا الجمال قد بقي مجهولاً في الغالب، منذ أن حاول تجليته الإمام (عبد القاهر) فوصل إلى أقصى ما يتيحه له عصره. . . ثم لم يتابعه أحد في الطريق الصحيح، إلا فلتات تقع بين الحين والحين.
وأنا أزعم كذلك أن الأدب العربي لم ينتفع الانتفاع الواجب بكتاب الإسلام المقدس، كما انتفعت آداب الأمم المسيحية بكتابهم المقدس من الوجهة الفنية. . . فكل تجليه لطريقة القرآن الأدبية ولمواضع الجمال فيها على طريقة فنية شاملة إنما هي كسب للأدب العربي - ولو جاء متأخراً جد التأخير عن موعده - وتوسيع لآفاق النظرة الفنية للبلاغة، واتجاه بها إلى (النقد الفني) الذي كان يجب أن تصير أليه، لو لم تركد القواعد البلاغية الجافة التي يحاكمون إليها الجمال الفني في الأدب العربي عامة
لا يزال الأستاذ عبد المنعم يجادلني حول طريقة التعبير المفضلة في القرآن، وحول العقيدة بين المنطق والوجدان. فلنتحدث اليوم عن المسألة الأولى. فأنا أزعم أن الطريقة المفضلة هي (التصوير) ويرى هو هذا الزعم مبالغة دعا إليها مجرد الحماس.
وحين أحيله على المصحف لينظر صدق ما أتجه إليه يرى أنني أحيله إلى محال على طريقة (جحا) في عد نجوم السماء!
ولكنه يفتح المصحف هنا وهناك فيجد أمثلة لا تنطبق عليها القاعدة، ويرى مواضع للتعبير لا يبرز فيها التصوير. وعندئذ يحاكمني إلى هذه المواضع وإلى أمثالها. . . ما دام لا يستطيع أن يسرد (القرآن كله) في مجلة الرسالة للاستشهاد!