كنت أود لو أن الصديقة التي قضيت معها ساعات القيلولة من كل يوم طيلة أيام الربيع الماضي، تحكي هذا الذي أريد أن أحكيه عنها وعني، فلقد كانت حافلة بموضوع الحديث، مشوقة للبحث فيه، هيَّابة لذكراه، إذا ما أقدمت على طرقه فكأنها تقدم على طرق حديث من عند الله. . . وما كانت لتنساه، ولم يكن لها مجال لتنساه وأنا معها ليلَ نهار!
- رفائيل أيضاً؟.
- أيضاً رفائيل!.
هكذا كانت تبتدرني كلما لقيتني في فناء المدرسة أو في ناحية من نواحيها، متأبطة كتاب رفائيل، وهكذا كنت أرد عليها وأردف بابتسامة تفهم معناها الذي في قلبي. . ثم أسير عنها، فإذا بها تتبعني. كأني أحمل قوة من السحر تجذبها من غير أن تدري! وأدرك ناحية هادئة اعتدتها فأحتل مكاناً لي فيها كفلته خالياً كثرة جلوسي هناك، فإذا بها قربي. . وأتجاهل ما تريد فأصمت عنها وهي ترتقب حركة مني، حتى إذا وثقت من إصراري على الصمت صاحت بي وقد نفد صبرها (افتحي!) فأبتسم. . وأفتح. . . ونقرأ الكتاب الذي أعجز عن عدّ المرات التي قرأناه فيها وكأننا نقرأ لأول مرة. وتستوقفنا المعاني الرائعة فتفلت من صدرينا آهات خافتة هي التأثر، وهى الإعجاب، وهي صدى الروعة في النفس وفعلها في الشعور! ونغرق في السحر الذي يفيض من قلبينا حتى يغمرنا، ونذهب في سكرة لذيذة لا نصحو منها إلا على صوت الجرس، معلناً انتهاء ساعات الفراغ، فينال من لعناتنا ما ينال ونحن في حنق عليه!
هكذا بدأت أيام إعجابها الأولى بالكتاب، ثم سارت - هذه الأيام - في طليعة أيام بعدها، حفرت لها في قلبينا أثراً بعيداً لن تمحوه الحوادث مهما جارت!. . تلك كانت ساعات