والشاعر في وصف هذه الأودية يذهب مع الشعر المذاهبَ البعيدة، فيملؤها جميعاً بالأهوال والدموع. ولست أدري أكان الهدهد حازماً حين وصف الأودية هذا الوصف المروع. وهذا أجمال وصفها:
١ - في وادي الطلب، يعترض السالك عقاب كثيرة: ويلقى من النص والتعب ما يضنيه، ولابد له أن يفرغ من كل ما يربطه بهذا العالم، ويطهر قلبه من علائق هذه الأرض. فإذا تم الطهر أصاب القلب شعاع من النور الإلهي فيتضاعف طلبه ألف مرة، وإذاً يذهب قدما لا تثنيه الأخطار والأهوال
٢ - وأما وادي العشق: فهو النار يمضي فيه العشاق كاللهب مضطرما ثائراً ولا يفكر في العواقب، لا يعرف الكفر والدين، ولا الشك واليقين، الخير والشر سواء عنده، كلا بل لا خير ولا شر إذا اضطرم العشق. هناك القلب خفاق يحترق ويذوب ليرجع إلى مكانه كالسمكة أخرجت من البحر إلى الصحراء. هنا لكم العشق نار والعقل دخان، فأما جاء العشق فر العقل مسرعا.
٣ - ثم وادي المعرفة: الذي لا أول له ولا آخر. هنالك تتشعب السبل، وكل يسلك الطريق الذي يستطيعه، وكيف ترجو أن يسير الفيل والعنكبوت معاً في هذا الطريق الوعر. إنما سير كل سالك على قدر كماله، وقربة بمقدار حاله. هنا لكم المعرفة متفاوتة، فهذا يجد المحراب، وذاك يجد الصنم، إذا أضاءت شمس المعرفة من ذلك الفلك العالي أبصر كل بمقداره. وكل ما يرى فهو وجه الحبيب؛ وكل ذرة محله. آلاف الأسرار تتألق كالشمس من وراء الحجب هناك الظمأ الدائم إلى الكمال. . الخ