للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العالم المسرحي والسينمائي]

فن التنكر -

لناقد (الرسالة) الفني

فن التنكر - أو الماكياج، من أدق الفنون التي تتطلب من الممثل مهارة خاصة، أو خبرة واسعة، ودراية تامة، ذلك لان الممثل يعتمد على تعبيرات وجهه وما يكون لها من التأثير في نفس المتفرج في إبراز الشخصية التي يمثلها، وفي تلوين بعض المشاهد بلون العاطفة التي تناسبها من الغضب أو الرضا، اليأس أو الرجاء، الحب أو البغض، إلى غير ذلك من شتى الانفعالات النفسانية التي تختلج في القلب، ويلجأ الممثل في إظهاره إلى رنة الصوت وطبيعة اللهجة التي يتحدث بها، وبما يأتيه من الحركة المناسبة، هادئة كانت أم عنيفة، ثم بما يلوح على وجهه من الملامح التي تعبر عن هذه العاطفة، ومن هذا المجموع، من الصوت والحركة وملامح الوجه، يستطيع الممثل أن يحدث في نفس المتفرج الأثر الذي يريد، وينقل إليه إحساس الشخصية التي يحيا في تضاعفيها على المسرح.

على أن الوجه وما ينطبع عليه من تعبيرات شتى، ما يلوح على صفحته مما يترجم عن خلجات النفس وعواطف القلب، اكبر معوان للممثل في فنه. والممثل القدير قد يعطيك بنظرة ساهمة، أو لمحة خاطفة، مالا تؤديه عشرات الجمل، بل قد يشرح الممثل المؤلف والقصة كلها بهذه النظرة، أو هذه الملامح التي تنطبع على صفحة وجهه في مشهد من مشاهد القصة.

اذكر أني يوم قرأت (شمشون) للمؤلف الفرنسي المعروف هنري برنشتين، أستكثر على الزوج أن يضحي ثروته ومركزه الذي ناله بكده وجده، وكان حمالا فأصبح من كبار رجال المال والنفوذ؛ استكثرت عليه أن يضحي كل جهوده حياته في سبيل الانتقام من عشيق زوجته. وطويت الرواية وأنا أقول إن برنيشتين لا يزال يجعل العنف المسرحي غرضا من أغراضه، وشاهدت هذه القصة بعد ذلك من فرقة فرنسية على أحد مسارح القاهرة، ورأيت الممثل الذي قام بدور الزوج في المشهد الرائع الذي يتضمن في تضاعيفه القصة كلها، تراه في هذا الموقف بين اثنتين: أما أن يكف عن طريقته في الانتقام من عشيق امرأته، وإما أن تجرفه العاطفة معه فيسقطان إلى الهاوية معا، وقف الزوج مشدوها لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>