راودت خاطري طويلاً فكرة الكتابة في أثر الرسالة في الأدب المعاصر. ولم يكن يمنعني عن المضي فيها غير انتظار المناسبة، فأنا رجل بطبيعة منتهى لا أقبل على عمل إلا بميعاد معلوم، ولا أقيم له كياناً إلا بميزان محدود. ثم كانت مناسبة دخول الرسالة في عامها الثالث عشر فتجسمت الفكرة يقيناً فعملا، وأسرعت إلى الكتابة يدفعني عاملان مهمان: الأول ما يضطرب في نفسي من رغبة الإنصاف، والثاني ما يغمرني غمراً من أطايب الرسالة وكتابها وشعرائها شيباً وشباناً.
ليس من شك في أن الكتابة عن أثر الرسالة في الأدب المعاصر تسدي خدمة كبيرة لمحبي الأدب والتاريخ الأدبي خاصة، فليس من الميسور على القارئ في المستقبل أن يلم بأطراف نهضتها الأدبية العظيمة في مجلدات ضخمة قد يتيسر له الإطلاع عليها وقد لا يتيسر. ومن ثم فإن الكتابة المركزة التي ترسم حدود المدارس الأدبية الكبيرة التي نشأت في ظلال الرسالة وكان قادتها من كتابها وشعرائها، إن هذه الكتابة تيسر الأمر الذي يصعب في الحالة الأولى، وتوفر الجهد لمن يريد الإطلاع والمعرفة وإقرار الحقوق لأصحابها.
ولا يهمني هنا أن ارسم الخطوط والظلال كاملة لقادة هذه المدارس، ولهذه المدارس نفسها، فهذا لا يتسع له مقال، وإنما يحتاج إلى كتاب. وحبذا لو نهض بهذا العمل الجليل أديب فاضل من أدباء الرسالة، والذي أريد أن أكشف عنه وأقدمه إلى القراء هو تقسيم أدباء الرسالة وشعرائها إلى مدارس متميزة متباينة لكل منها خصائص واضحة.
وقبل كل ذلك سنقدم أسماء كبار كتابها وباحثيها من شيوخها، وأسماء كبار كتابها وشعرائها ومفكريها من شبابها، وسنضطر إلى وضع اسم واحد في قسمين من تقسيماتنا لجمع احبه بين النثر والشعر مثلاً. وسيرى القارئ أيضاً أننا سنذكر أسماء لا تكتب في الرسالة اليوم، ولكن الحق والغيرة الأدبية يقتضيان أن نذكر فضل الرسالة عليهم وفضلهم عليها ليتم فضلهما معاً على الأدب عامة، فمن شيوخها الأفاضل: الأساتذة الإجلاء: الزيات، وطه حسين، وأحمد أمين، والعقاد، وعزام، والرافعي، ومظهر، ومحمد عوض، وزكي مبارك،