لو كان مؤلف هذا الكتاب أوروبياً أو أمريكياً لنال من نباهة الذكر وذيوع الصيت قسطاً وافراً ملحوظاً! ولو أن صاحبه أزجاه - إذ قدمه لقراء العربية - على أنه ترجمة لمغامرات إنجليزي أو فرنسي أو أمريكي لاشتد إقبالنا على الكتاب، وازداد إكبارنا لصاحبه، وعظمت في عيوننا شخصيته، ولشمر الكتاب عن سواعد الجد والنشاط، وانطلقوا يعددون مآثر ذلك المغامر الإفرنجي، وراحوا ينعتونه بنعوت البطولة والمجد، وخلعوا عليه صفات الشرف والإباء والمصابرة!
ولكن هذا الكتاب ليس سوى بعض ما صادفه الأديب الكاتب المعروف الأستاذ محمود حسني العرابي في حياته الحافلة، من ألوان الشدائد والصعاب، وضروب التجارب والمغامرات، منذ رحيله مكرهاً عن أرض وطنه الأول العزيز في عام ١٩٣١ إلى أن شاءت الظروف عودته إلى أحضانه في غضون عام ١٩٣٨، قبيل اندلاع نيران الحرب الأخيرة.
وقد أجمل المؤلف الفاضل في فصول هذا الكتاب الضخم وصف ما صادفه وما ألم به طوال مرحلة اغترابه عن مصر في عبارة رقيقة عذبة وأسلوب قصصي أخاذ، تتجلى فيه شخصية صاحبه على نحو يندر الاهتداء إلى نظائره في هذه الأيام!! فهو يمتاح من تجاربه ويكتب دون حاجة ملحة إلى اصطناع الخيال أو التأنق في الوصف الفني، ذلك أن الأيام التي مرت به في غربته قد احتشد بها كثير من الأحداث التي يعجز الخيال الموغل عن تصوير بعضها، بل إن في بعضها ما يفوق الخيال الذي يتخيله القابعون في عقر دورهم، والمعتصمون (ببروجهم العاجية) الأنيقة المترفة!
ولقد سجل الأستاذ العرابي حوادث تلك الفترة العاصفة من حياته الدائمة الصخب والضجيج تسجيلاً فنياً لم نحظ بمثله - كما قدمنا - في كثير من كتب المغامرات عند الأوربيين! ولقد