أما هدايا الفصد، فلا تخرج عما ذكرت من قبل، فكانوا يهدون الجواري والصواني والأقداح والجامات البلور والشمامات والعنبر والمسك.
فقد فصد الرشيد فأهدى إليه اليزيدي جام بلور، وشمامات غالية، وكتب إليه:(يا أمير المؤمنين، تفاءلت بالشرب بالجام بجمام النفس ودوام الأنس، والغالية للغلو في السرور والازدياد من الحبور).
واقتصد المأمون مرة فأهدى إليه إبراهيم بن المهدي جارية معها عود، ورقعة فيها:
عفوت وكان العفو منك سجية ... كما كان معقوداً بمفرقك الملك
وفي مرة ثانية، أهدت إليه (رباح) أترجة عنبر، مكتوب عليها بماء الذهب بيتين من الشعر أعجب بهما، فكافأهما بمال كثير.
وافتصد المعتصم فأهدت إليه (شمائل) صينية عقيق عليها قدح، أسبل عليهما منديل مطيب، مكتوب عليه بالعنبر، أبيات شعر رقيق، فلما قرأه أمر بإحضار اسحق بن إبراهيم، وأمره أن يجعل له لحنا، وأمر مسرورا بإخراجها من وراء الستارة، ثم لم يزل يردد هذه الأبيات حتى أحكمتها شمائل وغنت فكأن سقط الدر يتناثر من فيها وأمر لإسحاق بمال وللجارية بخمس وصائف وخمسة آلاف دينار.
وافتصد إبراهيم بن المهدي، فأهدى إليه اسحق بن إبراهيم الموصلي صوتا من غنائه، وأرسل غلامه فغناه به.
وربما طلب الخليفة من خاصته أن يهدوه، كما فعل المتوكل. فقد افتصد، فقال لخاصته وندمائه اهدوا إلي يوم فصدي. فاحتفل كل واحد منهم في هديته.
وأهدى إليه الفتح بن خاقان جارية لم ير الراءون مثلها حسنا وظرفا وكمالا. فدخلت ومعها جام ذهب في نهاية الحسن، ودن بلور لم ير مثله فيه شراب يتجاوز الصفات، ورقعة فيها