لم يكن ليدور بخلدي يوم قرأت الترجمة الإنجليزية للرواية القصصية كما وضعها دستؤفسكي - وذلك منذ سنين بعيدة - أن هنالك من سيخاطر يوماً باقتباس مسرحية منها؛ فان من أصعب الأمور أن يعمد كاتب إلى هذا الاقتباس دون أن يحجم مرات خوف الفشل. فاقتباس مسرحية من رواية قصصية معناه تلخيصها، والتلخيص مهما كان وافياً يعطي صورة غير صحيحة عن الأصل، ولكن جاستون باتيه المخرج الفرنسي المعروف لم يعبأ بكل هذا واقتبسها وأخرجها على المسرح في باريس فلاقت من النجاح والإعجاب الشيء الكثير مما حدثتنا عنه الصحف الفرنسية.
حقاً إنه لحدث عظيم أن تظهر على مسرح مصري رواية لدستؤفسكي ذلك الكاتب الألماني العظيم الذي طبقت شهرته الآفاق، ونقلت مؤلفاته إلى جميع اللغات الحية؛ وإنه لنصر عظيم للفرقة القومية أن تخطو خطوة جريئة كهذه وتفتح موسمها الثاني بهذه الرواية أمام كبار رجال الدولة وشيوخ الأمة ونوابها، فتعلن فوز الفن العالي والأدب الرفيع.
والرواية تقوم على التحليل النفسي العميق، ولكن في بساطة ووضوح يسهل تناولها لمن كان على قليل من الثقافة؛ وهي خالية من العوامل المفاجئة والصناعة التي اعتدنا أن نراها في المسرحيات الفرنسية. وفيها أوضح المؤلف غاية الرجل الروسي - في أيام القيصرية - من الحياة، فهو لا يرى لها غاية غير الألم على عكس الرجل الأوربي الذي يرى غاية الحياة السعادة فيسعى إليها. أما الروسي فيفتتن بالألم ويتكالب عليه، بل يسعى إليه جاهداً ليصهر في بوتقته روحاً لا يراها مؤدية رسالتها في الحياة إلا من طريق التفكير والعذاب.
نقل المسرحية عن الفرنسية الشاعر الرقيق الدكتور إبراهيم ناجي، والممثل الأديب فتوح نشاطي، فجاءت الترجمة سلسلة سهلة مما يلائم موضوع القصة وبساطة الوسائل في معالجة المؤلف للموضوع، فكان إعجابنا بالترجمة قدر إعجابنا بالاقتباس.