للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[موعد]

للأديب حسين شوقي

لماذا تسرع هذه الفتاة في السير؟ لماذا؟ إنها خفيفة الخطى كأنها القبرة، وكأنها عما قليل ستطير عن رصيف الشارع. .! لماذا تسرع في السير؟ لو أنها ذاهبة إلى عملها لكان هناك ما يبرر هذه العجلة، ولكن هذا غير مستطاع لأن الساعة الآن السادسة، والمكتب الذي تعمل فيه قد أغلق أبوابه منذ الساعة الخامسة. . لماذا تسرع الفتاة في السير إذن؟ إنه يكفي أن تلمح في وجهها علائم البشر والاغتباط لتدرك لماذا تسرع في خطاها. . إنها على موعد من حبيبها. .

إنها سعيدة، ولما كانت سعيدة أصبحت تعتقد أن الناس كلهم سعداء مثلها. . . ولكن انظر إلى هذه الطفلة الفقيرة النائمة على طوار الشارع بجانب الحائط، لا يمكن أن تكون سعيدة وهي على هذه الحال من البؤس، أحست نحوها الفتاة بحنو شديد حتى فكرت في تبنيها. . . ربما تبنتها لدى عودتها من الموعد. . ها هو أيضاً كلب لا يمكن أن يكون سعيداً، لأنه مجروح، يتألم من جرحه، فقد قذفه أحد الأطفال الأشقياء بحجر فأدماه، تود الفتاة لو أنها تحمله إلى الصيدلية لتضميد جرحه، ولكنها مع السف متعجلة، فهي على موعد من حبيبها، وقد تأخرت عنه، فالموعد في الساعة السادسة، والساعة الآن ست عشرة. . . مسكين حبيبها لابد أنه قلق من طول الانتظار! إنها ترغب في ركوب سيارة لتدركه بسرعة، ولكنها تخشى أن يرفض سائق السيارة توصيلها، لأن المكان الذي ينتظرها فيه الحبيب قريب جداً، فهو على خطوات منها. . تنتقل الفتاة إلى الطوار الآخر، تخترق الطريق وهو غاض بالحركة دون أن تنتظر إشارة الشرطي المؤذنة بالمرور. . حقاً! إن أمر هذه الفتاة عجيب! ألكونها تحب تظن نفسها معصومة من الأخطار؟ تدخل المقهى حيث ضرب لها حبيبها موعداً. . . . . إنها تحس بدوار خفيف عندما وضعت رجلها على عتبة المكان، إن قلبها أيضاً ليس في حال طبيعية، أنه يخفق بسرعة، إذ هو أشد منها رغبة في ملاقاة الحبيب، ولكن لماذا تجهم وجه الفتاة فجأة؟ لماذا؟ لم تجد حبيبها في المقهى، بحثت عنه في كل ركن ولكن بدون فائدة، إنها تحس خوراً في قواها، لذلك جلست هناك إلى مائدة، ثم أخذت تنظر إلى ساعتها اليدوية التي أشار عقربها إلى السادسة والثلث، ثم نظرت إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>