الأكاديمية أنه وجد خمائر جديدة، خمائر غريبة، تخرج حامض الزبد من السكر، وأنه وجد فوق ذلك أنها تستطيع العيش والحركة واللعب والعمل بدون هواء. بل إن الهواء يقتلها قتلاً. ثم عقب على هذا يقول:(وهذا أول مثل لحي يعيش بلا هواء)
ولسوء طالع بستور لم يكن هذا أول مثل، بل ثالث الأمثال، فإن لوفن هوك كشف هذا قبله بمائتي عام. واسبلنزاني قبله بمائة عام وجد أن الأحياء المكرسكوبية تعيش ولا تتنفس
يترجح عندي أن بستور لم يعلم بهذين المثلين، بل أنا جازم أنه لم يقصد إلى سرقة مجهود غيره، ولكنه في ثورته لكسب مجده، وتحرقه لتكثير كشوفه، تناقص اهتمامه بما جرى قبله وما كان يجري حوله، ومن هذا أنه كشف من جديد أموراً كشفها غيره، كأن كشف أن المكروبات تفسد اللحم، ونسى أن إشفان سبقه إلى ذلك، ونسى أن يؤدي إليه حقاً وجب.
على أنه يحسن بنا ألا نحرج بستور هذا كثيراً، ونعد سيائته في هذا الصدد عداً، ونحاسبه حساب الملائكة الشّداد. ذلك إن خياله، وهو من خيال الشعراء، كان قد بدأ يثبت الوثبة الأولى فيخال إن هذه المكروبات أعداء الإنسانية وقتلة الرجال. ففي مقال هذا كان يتحدث حديث الحالم فيقول: كما أن اللحم يفسد، فكذلك قد تفسد الأجسام، فتعتري الناس الأمراض. وتحدث عما قاساه من اللحم الفاسد وهو يعمل فيه. وتحدث عن كراهته للروائح الكريهة التي ملأت معمله وهو يجري هذه التجارب. (إن تجاربي في التخمر ساقتني بطبيعة الحال إلى هذه الدراسات فتقبلتها على ضرها وخطرها وبرغم الكراهة التي تبعثها في نفسي). ثم حدث الأكاديمية عما سيلقاه في سبيل هذه الأبحاث، وذكر لهم أنه لن يحجم عنها. واقتبس قول لافوازيه:(إن أقذر الأشغال وأكثرها حظاً من كراهة النفوس لتهون على المرء النبيل إذا هو توخاها لخير الإنسانية، وهي لا تزيد الرجل إلا قوة على قطع الصعاب التي يلقاها)