من هذا المكان يا عمي الذي طالما أحببت أن تقرأ لي فيه، والذي كنت تقرأ فيه ما سمعته قبل أن ينشر. .
من هذا المكان الذي رأيتني فيه منذ بدأت أكتب حتى اليوم. . من هذا المكان أحب أن أكتب. .
ولكن أتراني أستطيع؟ أحاول كلما فكرت في ذلك أن أنفي عنك فكرة الموت ولكنها تلاحقني فيك فأبعدها. . هي الحقيقة الثابتة. وأنا الجازع منها لا أستطيع أن أصدق. ولا أستطيع أن أكذب، فماذا أقول لك؟
أحقا انتهي الأمر؟ أحقا لم يعد في استطاعتي أن أذهب إلى الضاحية التي أشرقت بك حينا من الزمان، والتي بها لاقيت أو لاقينا نحن فيك المصاب؟ أحقا لن أخاطبك بعد الآن لأسألك رأيك وأطلب مشورتك؟ أحقا لن نلتقي في تلك الأماكن التي طالما التقينا بها؟ أحقا لن تراعيني بعد اليوم كما كنت تفعل. . أحقا لن تفرح بي كلما فرحت بنفسي وكلما فرح بي أبواي؟ وحقا لن تألم كلما ألمت لنفسي أو ألم لي أبواي؟ أحقا لن نذهب بعد اليوم في كل يوم سبت إلى الندوة المعهودة؟ أحقا لن تطلب مني أن أنتظرك في المقصف الملاسق لباب اللوق. . أحقا لن أقرأ عليك هذا الكلام. . أحقا خلت كل هذه الأماكن منك؟ أو لتخل هذه الأمكنة المادية. ولتقفر المناضد التي جلسنا إليها ولينضب الورد الذي نهلت منه. ولكن مكانك في النفس لن يخلو. . سأنظر إليه كلما أقدمت على أمر. . سأظل أنظر إليه ألتمس العون وأسأل المشورة. ولن يبخل. وهل بخلت أنت يوما. . وهل بخلت أنت بشيء. . كنت الصفاء في هذه الحياة العكرة. . كنا كلما فكرنا في شخصك تمثلت لنا القمة التي ترتقي إليها الإنسانية. بل تمثلت لنا الملائكة. كنت تثبت لنا بوجودك أن هذه المعاني السامية التي قد نسمع بها ولا نراها موجودة قائمة رائعة. سامية. جليلة. كانت إياك في تسامحك حتى لتنزل عن نفسك، وكانت إباك في رقتك حتى ليخجل محادثك من ماديته. ثم أنت لا تشعره بأرتفاعك. . وكانت إباك في تواضعك وترفعك. . في بساطتك وكبريائك. . وكانت إياك في كل خلقك. . وبعد. . عساه. . ماذا أقول. . أأقول ألمنا. .؟