للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

على هامش السيرة

تأليف الدكتور طه حسين

للدكتور محمد عوض محمد

إذا ذكرت كلمة (السيرة) في هذه الأقطار الفسيحة التي يظلها الإسلام، فإنها لن تنصرف إلا إلى معنى واحد، إلى سيرة واحدة: هي سيرة محمد بن عبد الله. . وهيهات أن يكون في الدهر كله سيرة أطيب نشرا وأعذب ذكراً من سيرة هذا النبي الأمي، الذي نشأ وسط الصحراء المقفرة المظلمة فلم يلبث أن ملأ العالم خصبا ونورا.

وإني إذ اجلس لأقول كلمتي الضعيفة في هذا الكتاب الذي بين يدي تعود إلى خاطري ذكرى عهد بعيد، حين كنت اطلب العلم في مدرسة المعلمين، وكنت اكثر من الاختلاف إلى دار الكتب المصرية؛ حيث اعتكف على مطالعة الأسفار التي لها صلة بسيرة هذا النبي الكريم. وكنت اكثر على الخصوص، من مطالعة ما كتبه المستشرقون عن الإسلام، وعن الرسول عليه السلام. فكنت أحياناً أجد ما يطفئ الغلة، وتبرق له الأسارير، وينشرح له الصدر. فانطلق إلى الدار راضيا، تملأ قلبي الغبطة والسرور. وأحياناً كنت (يا للأسف!) أقرأ ما يبعث في القلب حنقا وكمدا، فانصرف إلى منزلي حزينا كئيبا مكلوم الفؤاد. ولست ادري تماما ما الذي كان يجذبني إلى كتب المستشرقين في تلك السنين، مع انها كتبت في لغة غير لغتي، وكنت أجد في مطالعتها عسرا ومشقة. . . لعلي كنت اقبل عليها اذ يشوقني الإنصات إلى شهادة غير المسلمين بفضل الإسلام، لكني كنت ارجح الآن هناك سبباً آخر أدق وأخفى، وهو إني كنت التمس سيرة محمد بن عبد الله في تلك الكتب غير العربية لان ما كتب فيها (على علاته) سهل التناول، منسق الوضع، ولهذا لم تنته أيام دراستي في ذلك العهد حتى طالعت، مثلا، مؤلفات السيد أمير علي الإنكليزية ولم استطع أن اقرأ جزءاً واحداً من سيرة ابن هشام. وكان اكبر ما ينفرني من هذه الكتب القديمة ذلك الإكثار من الأسانيد، وإدخال الحديث في الحديث، بحيث يختلط الكلام على غير من تعود مطالعة هذه الأسفار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>