وقف بباب دار الأرقم رجل آدم طوال أصلع أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين. . . وقف يردد بصره فيما حوله وإن الشيطان ليوسوس له يريد أن يثنيه عن عزمه، وإن قلبه لينتفض مما استولى عليه من الرعب. وكيف لا يستلبه الفزع من بعض عقله وهو في هذا البلد وحيد؛ فما من عشيرة تحميه، وما من أهل يدفعون عنه الأذى؛ وقريش من ورائه في الصولة والسلطان أشداء على صحابة محمد ورفاقه، يصبون عليهم فنوناً من القسوة والعذاب في غير رحمة ولا شفقة؟ واصطرع في رأس الرجل عاملان: هنا النبي الكريم يشرق النور الإلهي من جبينه فيسطع متألقاً يجذب إليه جماعة ممن رضي الله عنهم، وهناك قريش لا تستطيع أن تنزل عن كبريائها في هوان وذلة وهم سادة القوم وأمراؤهم فكيف يلقون السلم في ضعة؟ كلا، بل أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون
أفينكص الرجل على عقبيه ليتردى في الغواية مرة أخرى ويعكف على أصنام من حجارة لا حول لها ولا طول، أم يندفع فيلج باب دار الأرقم ليلقى محمداً. . . ثم يتلظى - بعد حين - بنار يؤج سعيرها وتنبعث من قلوب عليها أقفالها. . . قلوب قريش المغيظة المحنقة؟ وأطرق يفكر ما يطمئن إلى أمر. . .
وجذبه من أخيلته صوت أقدام تسير إليه في وناء وثبات. . . فإذا صهيب بن سنان أمامه، فاندفع يحدثه:(ما تريد يا صهيب؟) قال صهيب (بل ماذا تريد أنت يا عمار) قال: (أريد أن أدخل على محمد فأسمع كلامه) قال صهيب: (وأنا أيضاً، فوربي لقد دفعني قلبي إليه وإن خواطري لتضطرب في خيالي خشية مما ألاقي بعد) ثم انطلقا جنباً إلى جنب إلى حيث النبي فأسلما معاً، وما استطاعا أن يبرحا الدار حتى خيم الظلام على الأرض، فخرجا