أيها الروح الزكي الكريم الذي حبسه الموت عن كل قلب عرفه كما يحبس النسيم الرخي عن قلب المحرر الظمآن!
أيها العقل الكبير الذي حول في نفسه ما عرفه من هدى الدين وفلسفة الرأي الصحيح إلى حكمة الخلق الراجح واللفظ النزيه والعمل المبرر، فلم ير فيه الناس ذلك التناقض البغيض بين حكمة القول وطبش العمل، وعلم الدرس وجهل العيش، بل رأوا دينه وعلمه وحكمته كماء الشجرة الطيبة يحيها ويجري فيها عنصرا أصيلا يتحول لبابا حيا وورقا حريريا نديا وزهرا شذيا وثمرا شهيا يملأ الحواس والإدراك وحيه وتعبيره، لا كالماء في شجرة الحنظل يتحول فيها إلى مر زعاق، أو في دم الأفعى يتحول إلى سم مدوف كما يتحول العلم في بعض العقول!
ويا أيتها الواحة المخضلة الوارفة التي كانت تعيش هادئة في مد الرمال الطاغية، رمال الخيلاء العلمية المزدهاة والتعقرات الكلامية الجوفاء، والدعاوى العريضة والمزاعم المنادية على نفسها مناداة المتاجر في الأسواق!
ويا أيتها السكينة النفسية التي كانت تشع على من يقرب منها ألواناً من الرضى والطمأنينة، وتدخله إلى رحاب عالم من السكون والصمت المتحدث!
ويا أيتها (القطعة الفنية) الباقية من الشرق الكريم في وجوهه الحيية وألفاظه العفيفة وثيابه الساترة التي فيها شخصيته وأبوته ووقاره!
ويا أيتها الصوفية العقلية العملية التي تربى مريدها بالأدب الرفيع يتحلى به الكبير أمام الصغير فيأخذه عنه بدون قوالب ألفاظ وفلسفات ومجادلات، بل بذلك السر الخفي الذي يعطيه الآباء الحكماء للأبناء!
ويا أيتها المكرمات التي لا حد لما كانت تبذله من جاهها ومالها وحسن إقبالها على المحتاجين إلى برها، كأنها الينبوع الفياض في هدوء بين قسوة الظروف وشح الأنفس!
ويا أيتها التقاليد الصالحة العارفة بما عند قومها من محامد، فهي معتزة بها مستمسكة بعراها