للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دراسة وتحليل]

الجواهري شاعر العراق

للأستاذ محمد رجب البيومي

٢ -

ونترك كارثة فلسطين لننتقل إلى أذناب المستعمرين. . .

ولا تكاد تخلو إحدى قصائد الشاعر من تجريح هؤلاء الأذناب والتشهير بهم، بل أن إنجلترا الغادرة لم تنل من الشاعر ما ناله أذنابها المتزعمون، وللجواهري وجهة نظره الصائبة في ذلك، فالإنجليز مهما عصفوا بالشرق والإسلام، وناهضوا الحريات بشتى الوسائل، فهم يخدمون وطنهم بما يرونه. والأساليب الظالمة، أما هؤلاء الأذناب فخائنون آثمون يشنون الحرب على بلادهم، ويصادرون حرياتها وكرامتها في غير هواهم وإشفاق، وقد يبلغ بك الأسف أشده إذ تجد الشاعر يقارن به عهدين، عهد برز فيه الاستعمار سافراً بوجهه الدميم، يأمر وينهب ويسلب ويبتز، وعهد رجع فيه المستعمر إلى الوراء خطوة ووقف خلف ستار رقيق شفاف ينظر ما ينفذه صنائعه من تعسف وبطش، وقد أخلى الطريق أمامهم فما استشعروا عاطفة نبيلة، أو أحسوا بواجب قومي، بل صالوا ذئاباً نهمة جشعة وعاثوا أضعاف ما عاث المستعمر الظلوم، وانطلقت المطامع من مكامنها تحتجر وتدخر وكانوا ستاراً لعورات المحتل ومثالبه حتى فضل الناس أن يعودوا إلى العهد الأول فيقابلوا الاحتلال وجهاً لوجه!! إذ رأوا بعد التجربة الأليمة أن افتراش القتال أهون من افتراش الجمر، فأضحت أمنيتهم أن يضعوا الصفاء بأيدهم من جديد، وكانوا يشتكون الجدب والمحول فرأوا من هؤلاء المستوزرين جرادا يستأصل ما بقى من الغصون والأوراق بدل أن يهطلوا غماماً ينعش الأرض ويسقى الزرع ويضاعف الثمر وليس الجواهري سادراً في خياله، بل أنه يضع في يد قارئه الحجة، فيتساءل عن حرية النقد التي كانت تجد مجالها في عهد المستعمر، فلا يرى لها صدى يتجاوب، وينظر إلى السجون والمعتقلات، فيراها تستقبل أضعاف من كانت تستقبلهم قبل ذاك؟ فليذرف الشعر دمعه الغزير على الشرق الكليم، وما يوجه إليه من طعنات قاتلات:

<<  <  ج:
ص:  >  >>