وقد أيد زاردشت عبادة النار وشجع على زيادة بناء بيوتها، وذهب إلى أن يزدان في حرب دائمة مع أهرمن لتنازع السيطرة على الكون ولاسيما الإنسان، وأن من يعمل صالحاً يساعد يزدان في النصر على أهرمن، ومن يعمل سوءاً يساعد أهرمن على يزدان؛ ولذا دعا إلى عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان مبالغاً في التفاؤل فأدعى أن النصر سيكون أخيراً ليزدان على أهرمن فينتصر الخير على الشر ويقضي عليه، فتبطل المتاعب والفتن، وعندئذ ينتهي العالم. وبين أن الإنسان بعد موته يحاسب على أعماله فمن رجحت حسناته عبر الصراط فلقي يزدان وأنزله منزلاً طيباً، وأن من رجحت سيئاته وقع من الصراط في النار وصار مستعبداً لأهرمن، وان من استوت حسناته وسيئاته صار إلى الأعراف، وهذه الآراء تمثل آراء كثير من الطوائف الإسلامية منذ ظهر الإسلام إلى اليوم، وقد ذهب إلى أن الخير هو الأصل وان الشر طارئ، ويؤيد ذلك الشهرستاني في كتابه الملل والنحل فقد قال:(زعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور والآفات والفتن، وكان أهلها في خير محض ونعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات والفتن).
ويقول ماسبرو في كتابه (تاريخ الشرق) ما خلاصته: (إن يزدان خلق كل شي بكلمته، وأتخذ ستة أرواح لنفسه من طبقة سامية يعينونه على تدبير شؤون العالم وصونه، وجعل لهم أرواحاً دونهم يأتمرون بأمرهم وهم منتشرون في العالم، وحيال ذلك خلق أهرمن ستة أرواح شريرة تعادل أولئك الستة في البطش وجعل لهم جنداً دونهم من الشياطين يطيعونهم في أداء ما يكلفهم به أهرمن من أعمال، والقوتان دائماً في نضال مستمر حتى ينتصر يزدان أخيراً على أهرمن وعندئذ تقوم القيامة).
ومن تعاليمه وجوب إكثار النسل لإكثار جند يزدان في نضاله أهرمن ووجوب إصلاح الأرض وزراعتها وتربية الحيوان والجد في العمل، وتحريم الصوم لأنه مضعف للقوة وثبط على العمل في الحياة، وتفضيل العمل على العبادة، فمن يحرث الأرض ويبذر فيها الحب ويرويها أكرم ممن يتزلف بألف قربان أو يصلى عشرة آلاف صلاة أو يدعو عشرة