ويزعم القلقشندي أن زرادشت:(أدعى النبوة وقال بوحدانية الله وأنه واحد لا شريك له ولا ضد ولا ند، وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهما، وأن الله تعالى هو الذي مزجهما لحكمة رآها في التركيب، وانهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم، وانه لا يزال الامتزاج حتى يغلب النور الظلمة، ثم يخلص الخير في عالمه وينحط الشر إلى عالمه وحينئذ تكون القيامة). والقلقشندي يخلط صواباً بخطأ فيما زعم، وأواخر زعمه تنقض أوائله، ولا يصعب تمييز الخطأ من الصواب في زعمه هذا إذا عورض بما قدمنا في بيان مذهب زرادشت وسيرته، فزرادشت - وأن كان يعتقد بان أصل الكون واحد هو النور - اضطر إلى القول في تفسير الظواهر الكونية والحياة الإنسانية بقوة أخرى ضد النور هي الظلمة ونسب إليها الشر الذي هو ضد الخير، فهو موحد في أصل الكون، ولكنه ثنائي في تفسير ما يجري فيه، ويزدان عنده ليس في تدبير الكون وخلقه واحداً لا شريك له ولا ضد ولا ند، بل له شريك وضد وند هو أهرمن، فهو يقول كالكيومرتية بأصلين. ومما أسنده القلقشندي إلى زاردشت يشبه أن يكون محاولة للتوفيق بين القول بوحدانية الله كما جاء بها الإسلام، والقول بأصلين كما جاءت بها المذاهب الفارسية. وتشبه هذه المحاولة كثيراً رأى أبي العتاهية معاصر المهدي العباسي ومادحه وصاحب جاريته عتبة التي اتهم بالزندقة من أجلها حيناً، ولأسباب غيرها أحياناً أخرى فقد كان يدين بالتوحيد لله ويرى أن للكون طبيعتين على ما سنفصله في موضعه من هذا البحث إن شاء الله، ففي مزاعم القلقشندي هنا ظلال لمذهب أبي العتاهية، ومرجع الخطأ في هذا وغيره عند القلقشندي وأمثاله ممن لم يفهموا هذه الأقوال على أنها رموز - إنما هو الوقوف عند ظواهرها دون التأدي إلى البواطن المستترة وراءها، والجهل بالدوافع التي جعلت أصحابها ينزعون إليها من حيث يشعرون ولا يشعرون، وقياسها على غيرها من المذاهب الدينية دون مراعاة الفوارق كما أشرنا إلى ذلك قبل.
أما اتهام القلقشندي وأبن الأثير زرادشت بادعاء النبوة فأرى أنه غير صحيح، فأبن خلدون يقول فيه إن المجوس يزعمون نبوته ولم يقل إنه ادعى النبوة، وهناك أبو الريحان البيروتي، وهو أولى أن من تسمع شهادته في هذا الموضوع، لأنه أقدم من أبن الأثير