للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ندرة البطولة]

للأستاذ عباس محمود العقاد

العالم الفاضل الأستاذ احمد أمين يروي ما يتحدث به فريق من المتشائمين حين ينعون على العصر الحديث ندرة البطولة وقلة النبوغ، ويسأل معهم: (هل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء؟ وهل تجد في النثر أمثال ابن المقفع والجاحظ وسهل بن هرون وعمرو بن مسعدة! وهل تجد في الغناء أمثال اسحق الموصلي وإبراهيم بن المهدي؟) وقس على ذلك بطولة الحرب والسياسة والزعامة وسائر البطولات

ثم يعقب الأستاذ على ذلك قائلا: (يظهر لي مع الأسف أن الظاهرة صحيحة، وان الجليل الحاضر في الأمم المختلفة لا يلد كثيراً من النوابغ ولا ينتج كثيراً من الأبطال، وإن طابع هذه العصور هو طابع المألوف والمعتاد، لا طابع النابغة والبطل)

ثم يستعرض الأسباب ويختمها بقوله: (ما أحق هذا الموضوع بالدرس وتناول الكتاب له من وجوهه المختلفة)

والموضوع كما قال الأستاذ النابه حقيق بالدرس والتناول من وجوه مختلفة، وليس له أو أن يفوت بفواته. فإذا شغلتنا موضوعات أخرى عن تناوله في الأيام الماضية فليس ما يمنع اليوم أن نبدي الرأي فيه

ورأينا إننا نخالف الأستاذ مخالفة النقيض للنقيض؛ ونعتقد أن العصر الحديث أغنى بالبطولة والنبوغ من كل عصر سلف بغير استثناء ولا تحفظ ولا تغليب للظن والاحتمال. وإنه ليس اسهل ولا اقرب من ظهور خطأ المتشائمين فيما وصلوا إليه من نتيجة، لأنه ليس أسهل ولا أقرب من ظهور الخطأ فيما اعتمدوه من قياس

إن الوجه في المقارنة بين جيل وجيل أن نحصر الزمن وأن نحصر المزايا، وأن نحصر العناصر التي تقوم عليها شهرة الأدباء أو الأجيال

وهذا الذي ينساه المفاضلون بين عصرنا الحديث والعصور الغابرة كل النسيان

فمن أمثلة ذلك سؤالهم. (هل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء؟)

فالذين يسألون هذا السؤال يحسبون الماضي كله عصراً واحداً يقابله واحد من الحاضر هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>