للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أُخت. . .

للأستاذ لبيب السعيد

نظر (صادق) على صورة أخته الصبية بقلب يفيض رحمة ويسيل حباً وحنواً. أن صورتها تطالعه بنظرة يراها تشع وداعة وقدساً، وبسمة ترف له لطفاً وأنساً.

وأراق على الصورة حنين روحه وضراعة فؤاده، ثم انثنى يفكر، وإن دموعه لتنحدر على خديه. . .

لقد حرمته الوظيفة بيت أسرته في المنيا: البيت الذي تملؤه هذه الأخت حياة بنشاطها اللطيف، وجمالا بوجهها الأبلج، ومتعة بحديثها العذب. . . نعم، وحرمته أن يسعد بالعناية بها عن كثب، وأن يستوثق في أصباحه وأمسائه أنها ناعمة في ظلال العافية، سابحة في صفاء النعيم. . .

أبداً تتجه روح (صادق) إلى أخته. . . لقد تزوج أخواتها اللائي يكبرنها، ورمى العيش بأخوتها المرامي، وبقيت هي مع أمها. . . أمها فحسب! فإن أباها قد لحق بآخرته. . . وتركها في سني الغرارة، محرومة من الطاف بره! ضعيفة! مستقبلها سر في ضمير الزمان. . .

إن صادق ليناجي أخته على البعد: (لن مات أبونا يا أختاه، فأنا مكانه، وحاشا أن تحسي بعده نقصاً. أن حياتي رخيصة جداً إذا لزمتك؛ لا تضعفي يا أختاه بل تقوي، تقوي حتى تستطيعي أن تستطيلي بقوتك عند الاقتضاء على كل قوية نهلت من عطف الأوبة أكثر مما نهلت!. . . إن حياتك يا عزيزتي لن تشاب برغم خطبك في أبيك بشائبة من هموم الحياة أو كدر العيش. ذرى لي كل هذا فأنا قوي عليه!).

ولقد ودع صادق قبل مجيئه إلى الإسكندرية أهله وأحباءه في المنيا، غير أخته، هرب من توديعها، سافر وهي في المدرسة، لأنه يدرك أن الحزن الذي كان سيطالعه من كلماتها ونظراتها أهول من أن يطيقه. ولذلك اكتفى بأن أخذ معه صورة لها من صور الامتحان، لتكون له زاداً في غربته، وانطلق وهو يجاهد في سد أبواب التفكير المفتحة. . .

وعندما مر القطار تجاه المقابر، ذكر (صادق) أباه الذي لولا فقده لصح له أن لا يميد من

<<  <  ج:
ص:  >  >>