في دار العلوم اليوم نهضة موفقة، يساهم فيها الشباب والشيوخ من أبناء هذه الدار التي قامت على العربية ستين عاماً، فأحسنت القوامة، ورعت الأمانة، وأدت حق العلم وحق اللغة أوفى أداء، وأثرت تأثيرها المبارك فيما ينتج الشعراء والكتاب من أدباء هذا الجيل؛ وهي نهضة حكيمة، بادية النشاط، بادية الأناة، تسير على سننها في رفق وقوة، وتمضي إلى غايتها في حماسة ووقار؛ فمن ثم لا تحاول أن تنسلخ جملة من ماضي التاريخ، وهي تأبى كذلك أن تصمّ أذنيها عن دعوة إلى الابتكار والتجديد.
وهذا أثر جديد، هو مجْلى من مجالى نشاطها الدائب؛ تحاول به أن تثبت للحاقدين من خصومها، والعاقِّين من بنيها، أن عندها هي وحدها تلتمس الأسبابُ لحياة هذه اللغة حياةً تكون بها بين اللغات ما كانت بينها في تاريخها المجيد.
ولقد أنشئت في دار العلوم منذ أكثر من عام (قاعة البحث اللغوي) لتكون ميداناً حراً لكل ذي فكر جديد، يتناول شأناً من شؤون اللغة. والعلم اليوم عرض وبحث ومذاكرة، لا تلقٍ وحفظٌ واستذكار؛ من أجل ذلك أنشئت هذه القاعة في دار العلوم، غير مسبوقة بمثال لها تتخذه قدوة وتسير على نهجه؛ على أنها قد أجدَّتْ فأجْدَتْ، واخترعتْ ففرعتْ؛ وهذا كتابها الثاني (البحاثة اللغوية) يدل على جهد مشكور، وعمل له ما وراءه.
وهو نهج جديد في فقه اللغة. وفقهُ اللغة عند القدماء أبوابٌ موضوعة، تضم من أشتات اللغة كلَّ معنى إلى ما يشاكله، وكل تعبير إلى ما يضاهيه، وكل لفظ إلى ما يرادفه؛ فهو عندهم معجم يرتِّب اللغة على أبواب المعاني لأعلى أبواب الحروف؛ وإذْ كانت اللغات