الكون غارق في السكون. . . والفضاء العريض يموج في رهبة، وقد هجع كل حي إلى مضجعه يتقلب في جنوبه. . . والطير قابعة في أوكارها تحتضن صغارها. . . حتى من وكل إليه الأمن قد سرت سنة من النوم إلى جفونه فراح يغط في خفقة وسبات.
ولف ظلام السحر كل شيء سوى غلس الصبح الوليد في الشرق وهو يتجلبب بصفرة شاحبة. . . وعلى حين فجأة ولجت ذبابة أنف (جاجن) مساعد المحصل. . . لعل حب الاستطلاع أو لزق الطيش هو الذي دفعها إلى ذلك العمل، أو لعلها الصدفة المحضة. . .
بيد أن خياشيم الأنف ساءها ذلك الدخيل فانفكت تعطس وتعطس. . . فأفاق (جاجن) إبان هذه الموجة الحادة من العطس وقد بلغ من حدتها أنه كانت ترج الفراش رجاً عنيفاً. . .
أما زوجة (جاجن) وتدعى (ماريا ميلوفا) - وهي امرأة مفاضة فارغة حسناء الوجه - فهبت في هيعة وفزع، وقلبت طرفها يضرب في حلكة الظلام الدامسة، وحملقت فينة ثم انطرحت على جانبها الآخر. ولم تلبث بعد فترة وجيزة أن عادت إلى ما كانت عليه، وأرخت أهدابها عسى النوم يدب في عينيها ثانية. . . ولكن هيهات فقد سرى السهاد إليهما فلم يغمض لها جفن. . .
نهضت من فراشها، واحتذت نعليها وقامت إلى النافذة حيث تجول بصرها في أكناف ذلك الليل البهيم. . . وقد بدت فيه سامقات الشجر كأنها عمالقة من الشياطين. . . وندت عن (ماريا) صيحة فيها عجب وفيها فزع قطعت الصمت الذي شاع في ثنايا الظلام. كانت تحملق أمامها وقد ثبت بصرها على شبح يتسلل في رفق وحذر إلى صحن الدار. . . فدار بخلدها أنه ربما كان جواداً نافراً، ولكن مقلتيها ما لبث أن وضح لهما ذاك الشبح فإذا به رجل يتشح بالظلام. وأومض بعقلها أنه لص في سبيل السرقة. فاكتسى وجهها شحوباً